مزرعة العباسية

مزرعتنا في العباسية اقصى شمال قريتنا كانت مخضرة بنخيلها و مزارعها الي ان وصلت حدودها شرقا حتي المقابر عبر جدول عميق يقاوم مسار العربات.
و كان من برامجي اليومية القاء السلام على ( جدتي ) و أخذ حلاوة تحفيز الزيارة التي ابتدعها والدي و كل اعمامي لنا لمعاودة جدتنا يومياً .
فكانت هدية من يمر علي الجدة و يسلم عليها ان تعطيه حلاوة من الحلو ي و التي تحفظها مابين العنقريب و لحاف.
كنت اسلم علي جدتي بنية الاستحواذ علي الحلوى ، و لم نكن نصغي لدعائها العريض لنا بالصحة و النجاح.
وما ان استلم الحلوي حتي اركض الي العباسية.
عمي عبد الرحيم كان دائم التواجد هناك و كان دائما قيما علي ثور ضخم و بقرة وديعة.
كان الثور يتبختر و يأتي ببرفرات( حرية) . كان الثور ضخما و مهابا لدرجة كبيرة.
في يوم اثناء تبديل مكانهما
بين الرعي ما بين مخلفات الحصاد و مقرهما في راكوبة تظلهما من حر الشمس، تمكن الثور من ( التحلل من وثاقه ) ، ثم اخذ يركص الي مزرعة ال بدر حيث كانت تسمي (ب بير النبي ) و رويدا رويدا أصبح يبطئ من سرعته، و نحن و عم عبد الرحيم من خلفه . كنا نحفظ مسافة معفولة بيننا و بين الثور و الذي تحرر للتو . كنا وارءه في موكب اطفال يتزايد كلما خطا التور لهدفه.
عمي كان بالكاد بتمالك نفسه حتي لا يضربه بعصاه .
ثم أخيرا وصل الثور لمز رعة ال بدر المقفرة .
كانت المز رعة ارض قاحلة تحيطها اسوار متهالكة تحاوطها الرمال من كل الجهات و كانت ابوابها تتسع يوما بعد يوم بعامل التعرية.
حينما تقاربت خطواته للمزرعة اسرع الخطى و دخله من البوابة الشمالية
ثم بطريقة أقرب الي خيول السباق أصبح يجول حول الاسوار الخاوية من اي اخصرار و كانت لا توجد فيها أبقار كما تصور و لا حتي ثيران.
وقف في وسط اطلال المزرعة كأنما يبكي.
كانت لحظة صمت كلحظات الحداد . و رغم اني لا اذكر اي فترة كانت هذه المزرعة مخضرة قبل ذلك الحدث الا ان عمي عبد الرحيم اعلمنا بأن الثور مصدوم لانه لم يجد المزرعة و لا الابقار التي كان ينشدها .
ثم في حالة تراجيدية اتخذ الثور مساره طاعيا الي راكوبته في العباسية ..
تذكرت خيبة ثورنا ، حينما علمت ان الترابي جينما عاد الي واجهة الحكم لم يجد تلاميذه الطيعيين و لم يجد سلطانا علي امراء الحرب في دارفور .
بل وجد ان الزمن قد تجاوزه حتي في التنظير من فقه الضرورات تبيح المحظورات الي فقه سترة و فقه تحلل.
هل يتحلي الترابي بذكاء ثور العباسية و يعود حيث كان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)