اني بتااك

اني بتااك
الكلام بالعربي كان مربكا للكثيرين في البلد من قبلنا و في زمننا.
وفاة احد اعيان قريتنا عليه الرحمة كان حدثا مؤلما ككل الوفيات.
كان هناك شاب هميم يقوم بتوزيع الشاي و اعادة الصواني و يقوم بمستلزمات الضيافة.
وجود هذا الفتى قرب صواني الاكل اربك كثيرين فكانوا يختصرون طلبهم
تر سينيق نوقل ايرو
ودي الصينية في بيتنا
او
تكا سوكو دين.

ناولني تلك.
احد شيوخ البلد حاول
تكليفه بامر صينيته فلم يجد من الكلمات العربيه ما يعبر به
فالتفت الى ذاك الصبي الذي يتحدث بالعربية
و لم يجد الكلام المناسب
ففكر ان يختصر الامر بأخذ صينيته بنفسه للمنزل دون ان يزحم راسه (بالعربي.)
 حينما هم راكعا لرفع الصينية وجد ان الفتى ينظر اليه .
فهمهم قائلا
اني بتااك
و فسر بعضهم انه يقصد.
(الصينية) دي بتاعتي.
 ذاك زمن كانت اللغة النوبية
على لسان كل صغير و كبير.
و كان يقابله اكتظاظ القرى بالبيوت و السكان.
  اعتقد ان افراغ المنطقة النوبية بدأ بالفعل منذ اغراق حلفا.
حلفا كانت امان المنطقة النوبية و عاصمتها و كانت ام مدائننا نبعد منها قليلا و اضطرارا
اما للقاهرة او الخرطوم.
استيعاب اختفاء حلفا انتج ضرورة التعامل مع

قطر السودان
و مدن السودان.
و  لم تنجح عبري و لا دلقو اختفاء  حلفا.
البعد الجغرافي الكبير بين النوبة و الخرطوم و ازدياد تكاليف السفر ولد احساس البعض بضرورة امتلاك بيت في الخرطوم.
و استنكرت الغالبية منهج تملك الاراضي بعيدا عن مضارب النوبة.
و مع تمركز الجامعات و فرص العمل بالخرطوم ازدات جرأة المشاعر لتملك المنازل بالخرطوم و مع توالد اجيال في الخرطوم و اتساع الهجرة الخارجية و تكون اجيال و اجيال في بيئات جديدة تقطعت اواصر الارتباط بمناطق النوبة
و رويدا خفت وتيرة سفر اسر صغيرة تزور القرية في العطلات و مع ارتفاع تكلفة المعيشة تُرِك السفر الا لضرورات.
.و بالتالي بدات منازل النوبة بالتصدع و تطاير السقوف بالارضة و عوامل التعرية.
و تضاعفت المنازل الخاوية الى ان صارت امورنا كما نراها الان افراغ طوعي و قسري و تدنى كبير في  نسبة( توزيع السكان في الكيلومتر الواحد) الى درجة لا يمكننا من انتخاب من نريد.
و ضاعت هيبة قرانا واراضينا حتى انتزعت بقرارات و عجزنا عن تحريك ساكن فمنحتها الحكومة الى مستثمريين وهميين.
و استباح المعدنون حرمة اجدادنا و عجزنا عن حمايتهم.
شهادة وفاة الاحياء من النوبيين موجودة في يد كل معدن حتى يبعثنا الله مرة اخرى
او يكتب لنا موتة نرتاح بها من هواننا.
علي عبد الحليم محجوب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)