(9) شخصية من تبج , الحاج عبد الحليم محجوب , الجزء الثانى
الجزء الثانى
ارتفاع و تيرة برقيات طلب الدعاء من شيوخ الادارسة بشكل ملحوظ في الفترة من 26 مارس 1960 الى يوم 26 فبراير 1964 ربما يمثل حالة القلق التي أصابت الجميع من بدأ هاجس اغراق وداي حلفا المدينة الحلم ، من توجس ورفض الى ان وقع الكابوس حقا بعد ايام تلت فبراير 1964 و خلال تلك الفترة تحول طلب الدعاء عقب الصلوات من طلب تقليدي الى الحاح و تغيرت الصيغة الى (محتاجين الى دعواتكم).مما يدل على نذير شؤم يتوجسون منه.
كان الحاج عبد الحليم محجوب و الحاج خوجلي محمد شريف صديقين لا يفترقان ابدا و كان بمجرد السفر من حلفا يبرقة بسلامة الوصول ،
و كان بينهما ، بين السلام و السلام سلام.
كانا معا من الرافضين لفكرة اغراق مدينتهم و كانت لهما مبادراتهما مع عدد من التجار لتفادي الكارثة و رفض الاغراءات التي كان يقوم به بعض المندسين لتبني مباركة الفكرة.
كانت مدينة و ادي حلفا هي ام النوبيين , فيها كانوا يشعرون بعزتهم و كانت كأنها دولة تجمع بين دولتين .
فمنها يتحرك قطر السودان جنوبا و منها يبحر وابور مصر شمالا. كانوا فيها اعزة يشعرون فيها بنعمة الامن وبزهو العزة .كانوا بدواخلهم يعرفون انهم داخل دولة خاصة بهم فحلفا دولتهم و المدن و القري النوبية في أطرافها حدودهم فما جاءت تسميتهم لقطر السودان عبثا .
كانوا يشعرون ان هذا القطر حينما يبتعد عن وادي حلفا فانما يذهب بك الى لغة غير لغتك تماما كما يبتعد بك وابور مصر عن ديارك و أهلك.
كان الحاج عبد الحليم حينما يبلغ من الحزن حدا يمسك عن الكلام ., لم يستوعب فكرة غرق حلفا و لا برحيل اخيه خوجلي محمد شريف الى خشم القربة. فلم يود لا هو و لا أحد من الذين عايشوا الماساة اضافة الجديدة الى الحبيبة الموؤدة فهى اما حلفا او خشم القربة.
و رغم أن اسرة ال محجوب كانت تمتلك منزلين فقد عملوا بمبدأ لا تجعل بضاعتك في سلة و احدة و اختاروا التعويض الفوري لقيمة المنزل الكبير للتعبير عن رفضهم الواضح للهجرة و الخروج من حلفا, أما المنزل الصغير فقد راوا ان يجعلوه تحت و كالة الشيخ خوجلي محمد شريف صديق العمر.
أما فكرة ان يذهبوا الى هناك لم تكن و لا في مؤخرة ذهنهم.
وانقسم الناس في حلفا في كيفية صرف مستحقاتهم , فكل مالك عقار او دكان كان مخيرا في ان يستلم قيمة ممتلكاته نقدا و الا يستلم عقارا في (خشم القربة)
و انقسم الناس فالذين ارادوا الصمود اخذوا مستحقاتهم نقدا ليزحفوا أمام النهر الهائج خطوة بخطوة .
أما
الذين هاجروا فنعتهم الصامدون بالمتخاذلين.
و نشبت الفتن و الكراهية.بين الطائفتين , فكان من السهل ان تجد أخويين احدهما صامد صرف مستحقاته و يستبسل للبقاء ، في حين ان أخاه الذي أخذ بديلا و سافر للمدينة الجديدة ,
لكنه حينما غلبته الحسرة و لم يجد القوة للصمود فيها رجع الى حلفا لمناصرة اخيه و يقوى به على المصائب المتلاحقة .
و كانت الماساة اكتشاف كل عائد بأنه غير مرحب به على الاطلاق من شقيقه قبل بقية خلق الله. كانت فتنة ولدها الظلم الذي فرضه عليهم العسكر المغامر و المستعمر الابدي للسودان , فهو شريك الاستعمار الانجليزي و من قبله شريك المستعمر التركي.
و اود ان أحكي قصة رجل من قرية تبج .
هو تاجر كريم كان ضمن من اخذ حقوقه نقدا مستثنيا الدكان و الذي اثره بديلا في المدينة الجديدة. فهاجر و لم يستكمل العام و النصف , فرجع الى حلفا.
كانت عملية اقصاء المهاجرين (العائدين) وصلت حدا شرسا في عام 1967حتى و صلت الى درجة منعه من دفن ابنته ولم يستطع ان يجد لها مدفنا في حلفا تحت تشديد العقوبة عليه كمهاجر غير صامد , فما كان منه الا ان جاء بالجثمان الى تبج , في زمن لا يوجد فيه ثلج و لا ثلاجة لحفظ الموتى , لك ان تتخيل قسوة الحساب حينما يتوفى الناس لسوء البيئة و مع هذا لا يحق لهم دفن موتاهم في الارض التي يقيمون فيها مناضلين عقابا على رحيلهم الاول .
رجوع العائدين و مشاركتهم الجميع في حالة البؤس لم يشفع لهم ,
و قد ضرب الحلفاويون الصامدون مثالا رائعا في الصمود ضد رغبة محافظ المديرية الشمالية الذي كان يحاول اجلاء الجميع من حلفا تحت مسمى انهم جميعا اخذوا حقوقهم , لذا يتوجب عليهم اخلاء المدينة . و تطوع الجميع في ايفاء الخدمات الضرورية لتستمر الحياة فالمعلم واصل التدريس متطوعا و كذلك الممرضون و كل تطوع في مجاله و يحكي التاريخ ان الاستاذ يوسف صابونة من الذين تطوعوا للتدريس في المدارس لمناصرة اخوانه في حلفا.
ورغم التكاتف الذي ابدوه جميعا صامدين و عائدين لابقاء الحياة مستمرة في حلفا ، الا أن نعرة الكراهية ارتفعت ضد المهاجرين (بالاخص على غير الحلفاويين) , حتى كانت صلاة جمعة اجتمع لها المصلون و ما ان انتهت الخطبة و أمر الامام باقامة الصلاة , فقاموا باخراج المهاجرين, (العائدين), من داخل المسجد و منعوهم اداء الفريضة.
كانت عملية منع المهاجرين من صلاة الجمعة نقطة تحول دفعت بكل من هو مهاجر من غير حلفا من ابناء السكوت و المحس بأن يجتمعوا و يقرروا نقل نشاطهم خارج حلفا و ايصال مسافريهم عبر صحراء العتمور الى نمرة (6). و كان شخصنا التبجاوي راس الرمح في هذه النقلة و كان اولهم وصولا لهناك و كان أول من رفع الاذان المنتظم هناك. ثم غيرت اللواري سفرياتها جنوبا الى (ابي صارة) ثم منها يواصلون سيرهم في طريق طويل الى نمرة (6) تاركين حلفا لاهلها الذين اتحدوا كمهاجرين و مقيمين ضد أبناء الخط ( نعتوا اهالي السكوت و المحس بهذا الاسم).
كانت هذه العملية من أبناء السكوت و المحس, عملية عزة و اباء بعد ان بالغ الحلفاويون في رفضهم و تعمدهم لمحاولات اذلالهم .
نجحت السفريات عبر العتمور لنمرة (6) حتى ان الاوضاع اصبحت عادية و الطريق اكثر امنا و انتعشت (ابو صارة) كمركز سفريات, لكن ما لم يكن بالحسبان ان حلفا انقطع عنها امداد الخضروات و الحطب و كسدت تجارة كانت تنشط من خلال زيارات المسافرين.
اجتمع أبناء حلفا و راجعوا ما حدث و يحدث و عن الاوضاع المزرية التي وصلتها مدينتهم الصامدة ,فقرروا ارسال وفد كبير لمدينة عبري.
و في عبري التقى الفرقاء و كان اللقاء حميميا اختلطت مشاعر الحب بمشاعر الاخوة التي لا تتجزء فحين الملمات و المحن الطاحنة قد يفقد الناس التوازن و قد تختلط رؤى تقييم الاخ من العدو, لكن عند عودة الوعي لا يبق الاخ الا اخا , أما العدو فنحن نعلمه أين هو.
أما الفنان الكبير وردي فقد حاول تجسيد رفض المدينة المزيفة و ايهام الناس بأنها حلفا جديدة فقال
قربة حلفا ايقكو
جمركلو بواخر
(للذين قالوا
قربة هي حلفا ,أسالهم أين الجمارك و اين البواخر , قربة = خشم القربة ) , غناها في مرثية طويله لا أذكر سوى هذا الجزء.
حلفا أغرقتها حكومة انقلابية فقط بعد ثمانية سنوات من الاستقلال , لم يغرقها مستعمر و هناك جريمة أخري من الحكومة الوطنية المنتخبة بعد الاستقلال.
ففي اقل من شهرين من الاستقلال كانت ماساة (جودة) قرب مدينة كوستي حيث احتجزت قوات الحكومة (و ليس الاستعمار) عدد يقارب المائتين و الخمسين شخصا في عنبر مصمت خالي من النوافذ بمدينة كوستي, كان مخصصا لتخزين الجمكسين لم ينجو منهم الا عدد قليل. حجزوا لرفضهم بيع القطن بالسعر الذي حددته الحكومة , فكبكبوا جميعا في عنبر بلا تهوية فماتوا بالاختناق و التسمم و رثاهم الشاعر الكبير صلاح احمد ابراهيم فقال
لو أنَّهُم فراخ يصنع من اوراكها الحساء لنُزلاء (الفندق الكبير)
لوُضعوا في قفص لا يمنعُ الهواء وقُدم الحب لهم والماء
لو أنهم ...
ما تركوا ظماء
ما تركوا يصادمون بعضهم لنفس الهواء
وهم يُجرجرون فوق جثث الصحاب الخطوة العشواء
(هي قصيدة طويلة, فقط نكتفي بجزء يسير)
وكانت هذه الاخبار تصل الناس في جميع القرى و الحضر لكن ليس من رأى كمن سمع , أما و قد رأى الاهل في تبج و حلفا بأم أعينهم خذلان الزعيم الازهري لهم و فجعوا من الرئيس عبود في أغراق أم المدن حلفا (اركينين) و طمسها من الوجود نهائيا لا بسبب سيول و لا براكين و لا بصاعقة من السماء لكن وللاسف بايدي سودانية .
فكان ان استدرك الحاج عبد الحليم ان لا فائدة ترجى من زعماء يحكمون و لا يسمعون لنصح الكبار و لا فائدة ترجى من مغامرين انقلابيين يفتقرون الى الحكمة قترك مخاطبتهم , فكانت برقية عام 1959لمتابعة الزيارة اخر برقية ارسلت لحاكم , لان السياسة لم تكن غايتهم و لا هي مبتغاهم.
كم هو مظلوم (بلفر), فمثله كثر و لا يذكر التاريخ سواه حينما يحكي عن (وعد من لايملك لمن لا يستحق).
فكانت طغمة انقلاب عبود من حلفا زاهدين و بدراهم زهيدة لم يقبض الا جزء زهيد من الزهيد أغرقوها و باعوها , و لمن ؟؟؟؟
لمصر التي اكتشفت بعد اقل من خمسين عام ان تصميم السد فيه أخطاء و لمعالجة اخطائها تطلب ممن لايملك ايضا أغراق ما تبقى من ارض النوبة لتصحح اخطاء سدها و تخزن ماءها في أقرب مكان لها.
أي هوان نحن فيه , هل و جد النوبيون ليكونوا قرابين لمن لا يستحقون و هل يوجد في العالم دولة يعربد فيها عساكر و مغامرون يجيدون تكرار الاخطاء و عدم الاستفادة من حماقات من سبقوهم..
إذا همت نفسك بمعصية فذكرها بالله ، فإن أبت فذكرها بأخلاق الرجال، فإن أبت فذكرها بالفضيحة إذا علم الناس، فإن أبت فأعلم أن نفسك مريضة تحتاج علاج وعلاجها كثرة ذكر الله.
اللهم ارحم كل من ذكرناهم و لا تحرمنا أجرهم و لا تفتنا من بعدهم و أكرم نزلهم و وسع مدخلهم و صلى الله عليه و سلم.
ارتفاع و تيرة برقيات طلب الدعاء من شيوخ الادارسة بشكل ملحوظ في الفترة من 26 مارس 1960 الى يوم 26 فبراير 1964 ربما يمثل حالة القلق التي أصابت الجميع من بدأ هاجس اغراق وداي حلفا المدينة الحلم ، من توجس ورفض الى ان وقع الكابوس حقا بعد ايام تلت فبراير 1964 و خلال تلك الفترة تحول طلب الدعاء عقب الصلوات من طلب تقليدي الى الحاح و تغيرت الصيغة الى (محتاجين الى دعواتكم).مما يدل على نذير شؤم يتوجسون منه.
كان الحاج عبد الحليم محجوب و الحاج خوجلي محمد شريف صديقين لا يفترقان ابدا و كان بمجرد السفر من حلفا يبرقة بسلامة الوصول ،
و كان بينهما ، بين السلام و السلام سلام.
كانا معا من الرافضين لفكرة اغراق مدينتهم و كانت لهما مبادراتهما مع عدد من التجار لتفادي الكارثة و رفض الاغراءات التي كان يقوم به بعض المندسين لتبني مباركة الفكرة.
كانت مدينة و ادي حلفا هي ام النوبيين , فيها كانوا يشعرون بعزتهم و كانت كأنها دولة تجمع بين دولتين .
فمنها يتحرك قطر السودان جنوبا و منها يبحر وابور مصر شمالا. كانوا فيها اعزة يشعرون فيها بنعمة الامن وبزهو العزة .كانوا بدواخلهم يعرفون انهم داخل دولة خاصة بهم فحلفا دولتهم و المدن و القري النوبية في أطرافها حدودهم فما جاءت تسميتهم لقطر السودان عبثا .
كانوا يشعرون ان هذا القطر حينما يبتعد عن وادي حلفا فانما يذهب بك الى لغة غير لغتك تماما كما يبتعد بك وابور مصر عن ديارك و أهلك.
كان الحاج عبد الحليم حينما يبلغ من الحزن حدا يمسك عن الكلام ., لم يستوعب فكرة غرق حلفا و لا برحيل اخيه خوجلي محمد شريف الى خشم القربة. فلم يود لا هو و لا أحد من الذين عايشوا الماساة اضافة الجديدة الى الحبيبة الموؤدة فهى اما حلفا او خشم القربة.
و رغم أن اسرة ال محجوب كانت تمتلك منزلين فقد عملوا بمبدأ لا تجعل بضاعتك في سلة و احدة و اختاروا التعويض الفوري لقيمة المنزل الكبير للتعبير عن رفضهم الواضح للهجرة و الخروج من حلفا, أما المنزل الصغير فقد راوا ان يجعلوه تحت و كالة الشيخ خوجلي محمد شريف صديق العمر.
أما فكرة ان يذهبوا الى هناك لم تكن و لا في مؤخرة ذهنهم.
وانقسم الناس في حلفا في كيفية صرف مستحقاتهم , فكل مالك عقار او دكان كان مخيرا في ان يستلم قيمة ممتلكاته نقدا و الا يستلم عقارا في (خشم القربة)
و انقسم الناس فالذين ارادوا الصمود اخذوا مستحقاتهم نقدا ليزحفوا أمام النهر الهائج خطوة بخطوة .
أما
الذين هاجروا فنعتهم الصامدون بالمتخاذلين.
و نشبت الفتن و الكراهية.بين الطائفتين , فكان من السهل ان تجد أخويين احدهما صامد صرف مستحقاته و يستبسل للبقاء ، في حين ان أخاه الذي أخذ بديلا و سافر للمدينة الجديدة ,
لكنه حينما غلبته الحسرة و لم يجد القوة للصمود فيها رجع الى حلفا لمناصرة اخيه و يقوى به على المصائب المتلاحقة .
و كانت الماساة اكتشاف كل عائد بأنه غير مرحب به على الاطلاق من شقيقه قبل بقية خلق الله. كانت فتنة ولدها الظلم الذي فرضه عليهم العسكر المغامر و المستعمر الابدي للسودان , فهو شريك الاستعمار الانجليزي و من قبله شريك المستعمر التركي.
و اود ان أحكي قصة رجل من قرية تبج .
هو تاجر كريم كان ضمن من اخذ حقوقه نقدا مستثنيا الدكان و الذي اثره بديلا في المدينة الجديدة. فهاجر و لم يستكمل العام و النصف , فرجع الى حلفا.
كانت عملية اقصاء المهاجرين (العائدين) وصلت حدا شرسا في عام 1967حتى و صلت الى درجة منعه من دفن ابنته ولم يستطع ان يجد لها مدفنا في حلفا تحت تشديد العقوبة عليه كمهاجر غير صامد , فما كان منه الا ان جاء بالجثمان الى تبج , في زمن لا يوجد فيه ثلج و لا ثلاجة لحفظ الموتى , لك ان تتخيل قسوة الحساب حينما يتوفى الناس لسوء البيئة و مع هذا لا يحق لهم دفن موتاهم في الارض التي يقيمون فيها مناضلين عقابا على رحيلهم الاول .
رجوع العائدين و مشاركتهم الجميع في حالة البؤس لم يشفع لهم ,
و قد ضرب الحلفاويون الصامدون مثالا رائعا في الصمود ضد رغبة محافظ المديرية الشمالية الذي كان يحاول اجلاء الجميع من حلفا تحت مسمى انهم جميعا اخذوا حقوقهم , لذا يتوجب عليهم اخلاء المدينة . و تطوع الجميع في ايفاء الخدمات الضرورية لتستمر الحياة فالمعلم واصل التدريس متطوعا و كذلك الممرضون و كل تطوع في مجاله و يحكي التاريخ ان الاستاذ يوسف صابونة من الذين تطوعوا للتدريس في المدارس لمناصرة اخوانه في حلفا.
ورغم التكاتف الذي ابدوه جميعا صامدين و عائدين لابقاء الحياة مستمرة في حلفا ، الا أن نعرة الكراهية ارتفعت ضد المهاجرين (بالاخص على غير الحلفاويين) , حتى كانت صلاة جمعة اجتمع لها المصلون و ما ان انتهت الخطبة و أمر الامام باقامة الصلاة , فقاموا باخراج المهاجرين, (العائدين), من داخل المسجد و منعوهم اداء الفريضة.
كانت عملية منع المهاجرين من صلاة الجمعة نقطة تحول دفعت بكل من هو مهاجر من غير حلفا من ابناء السكوت و المحس بأن يجتمعوا و يقرروا نقل نشاطهم خارج حلفا و ايصال مسافريهم عبر صحراء العتمور الى نمرة (6). و كان شخصنا التبجاوي راس الرمح في هذه النقلة و كان اولهم وصولا لهناك و كان أول من رفع الاذان المنتظم هناك. ثم غيرت اللواري سفرياتها جنوبا الى (ابي صارة) ثم منها يواصلون سيرهم في طريق طويل الى نمرة (6) تاركين حلفا لاهلها الذين اتحدوا كمهاجرين و مقيمين ضد أبناء الخط ( نعتوا اهالي السكوت و المحس بهذا الاسم).
كانت هذه العملية من أبناء السكوت و المحس, عملية عزة و اباء بعد ان بالغ الحلفاويون في رفضهم و تعمدهم لمحاولات اذلالهم .
نجحت السفريات عبر العتمور لنمرة (6) حتى ان الاوضاع اصبحت عادية و الطريق اكثر امنا و انتعشت (ابو صارة) كمركز سفريات, لكن ما لم يكن بالحسبان ان حلفا انقطع عنها امداد الخضروات و الحطب و كسدت تجارة كانت تنشط من خلال زيارات المسافرين.
اجتمع أبناء حلفا و راجعوا ما حدث و يحدث و عن الاوضاع المزرية التي وصلتها مدينتهم الصامدة ,فقرروا ارسال وفد كبير لمدينة عبري.
و في عبري التقى الفرقاء و كان اللقاء حميميا اختلطت مشاعر الحب بمشاعر الاخوة التي لا تتجزء فحين الملمات و المحن الطاحنة قد يفقد الناس التوازن و قد تختلط رؤى تقييم الاخ من العدو, لكن عند عودة الوعي لا يبق الاخ الا اخا , أما العدو فنحن نعلمه أين هو.
أما الفنان الكبير وردي فقد حاول تجسيد رفض المدينة المزيفة و ايهام الناس بأنها حلفا جديدة فقال
قربة حلفا ايقكو
جمركلو بواخر
(للذين قالوا
قربة هي حلفا ,أسالهم أين الجمارك و اين البواخر , قربة = خشم القربة ) , غناها في مرثية طويله لا أذكر سوى هذا الجزء.
حلفا أغرقتها حكومة انقلابية فقط بعد ثمانية سنوات من الاستقلال , لم يغرقها مستعمر و هناك جريمة أخري من الحكومة الوطنية المنتخبة بعد الاستقلال.
ففي اقل من شهرين من الاستقلال كانت ماساة (جودة) قرب مدينة كوستي حيث احتجزت قوات الحكومة (و ليس الاستعمار) عدد يقارب المائتين و الخمسين شخصا في عنبر مصمت خالي من النوافذ بمدينة كوستي, كان مخصصا لتخزين الجمكسين لم ينجو منهم الا عدد قليل. حجزوا لرفضهم بيع القطن بالسعر الذي حددته الحكومة , فكبكبوا جميعا في عنبر بلا تهوية فماتوا بالاختناق و التسمم و رثاهم الشاعر الكبير صلاح احمد ابراهيم فقال
لو أنَّهُم فراخ يصنع من اوراكها الحساء لنُزلاء (الفندق الكبير)
لوُضعوا في قفص لا يمنعُ الهواء وقُدم الحب لهم والماء
لو أنهم ...
ما تركوا ظماء
ما تركوا يصادمون بعضهم لنفس الهواء
وهم يُجرجرون فوق جثث الصحاب الخطوة العشواء
(هي قصيدة طويلة, فقط نكتفي بجزء يسير)
وكانت هذه الاخبار تصل الناس في جميع القرى و الحضر لكن ليس من رأى كمن سمع , أما و قد رأى الاهل في تبج و حلفا بأم أعينهم خذلان الزعيم الازهري لهم و فجعوا من الرئيس عبود في أغراق أم المدن حلفا (اركينين) و طمسها من الوجود نهائيا لا بسبب سيول و لا براكين و لا بصاعقة من السماء لكن وللاسف بايدي سودانية .
فكان ان استدرك الحاج عبد الحليم ان لا فائدة ترجى من زعماء يحكمون و لا يسمعون لنصح الكبار و لا فائدة ترجى من مغامرين انقلابيين يفتقرون الى الحكمة قترك مخاطبتهم , فكانت برقية عام 1959لمتابعة الزيارة اخر برقية ارسلت لحاكم , لان السياسة لم تكن غايتهم و لا هي مبتغاهم.
كم هو مظلوم (بلفر), فمثله كثر و لا يذكر التاريخ سواه حينما يحكي عن (وعد من لايملك لمن لا يستحق).
فكانت طغمة انقلاب عبود من حلفا زاهدين و بدراهم زهيدة لم يقبض الا جزء زهيد من الزهيد أغرقوها و باعوها , و لمن ؟؟؟؟
لمصر التي اكتشفت بعد اقل من خمسين عام ان تصميم السد فيه أخطاء و لمعالجة اخطائها تطلب ممن لايملك ايضا أغراق ما تبقى من ارض النوبة لتصحح اخطاء سدها و تخزن ماءها في أقرب مكان لها.
أي هوان نحن فيه , هل و جد النوبيون ليكونوا قرابين لمن لا يستحقون و هل يوجد في العالم دولة يعربد فيها عساكر و مغامرون يجيدون تكرار الاخطاء و عدم الاستفادة من حماقات من سبقوهم..
إذا همت نفسك بمعصية فذكرها بالله ، فإن أبت فذكرها بأخلاق الرجال، فإن أبت فذكرها بالفضيحة إذا علم الناس، فإن أبت فأعلم أن نفسك مريضة تحتاج علاج وعلاجها كثرة ذكر الله.
اللهم ارحم كل من ذكرناهم و لا تحرمنا أجرهم و لا تفتنا من بعدهم و أكرم نزلهم و وسع مدخلهم و صلى الله عليه و سلم.
وهنا سكب الاستاذ الكبير الشاعر علي داوود صالح سبعة دمعات على حلفا , اخترنا دمعة و احدة و هن كلها مبكيات
الدمعة السابعة
احقا عباد الله حلفا ستختفى
ويخرج منها أهلها وعشيرها
وهل تختفى اثارها دون ناقب
وتعلو مياه النيل فوق جبالها
سلوا صورة العذراء تاريخ مجدها
فان شئت سل صور المسيح رضيعها
معابد رهبان ومسرح سائح
خلوة قران ترتل صورها
وارقين يالله من مرتع الصبا
عواطفنا مدفونة فى رمالها
نغادرها قسرا الى غير رجعة
وفى القلب اهات وذكرى اليمة
فهل يا بنو السودان يرضى ضميركم
وانتم ترون حلفا تلاقى مصيرها
سلام على حلفا سلام مودع
عزيز علينا هجرها وفراقها
تعليقات