بشبش

بشبش
استاذ محمد توفيق ابايزيد ذلك الرجل المهاب فهو ابن عمي و زوج أختي.
كان يتميز بتعدد طبقات شخصيته فهو ذاك الهاش الباش مع اترابه و صاحب القفشات و الكلمات التي (امتلكها تخصصا) فإذا نادى أحدا من أصحابه  فهو 
              بشبش
و للصغار امثالنا إذا غضب من احدنا نعته ب  يا
              بطش
سيد تلول لم يكن يعرف في حلفا سكنا سوى عنده و لم يعرف أمينا لماله سوى اختي جليلة متعها الله بالعافية.
ربما في تبج تتعدد عنده الخيارات الواسعة.
و في زمن لاحق بعد انتقال العدد الأكبر من خاصته للآخرة كان يخص مجالس الليالي القمرية بزياراته المباغتة.
ثم باغت ليلة ( سهران بود)، تلك الفسحة ما بين بيوت محمد حسن محمود و عبد العزيز قرناص و عبد النبي سعيد و شرقا منزل العم هاشم محمد بدر.
جلسة قمرية و لا في الأحلام مع سيد تلول و تنقله في المجلس بين الجد و الهزل  الأسئلة المباغتة و النكات الساخرة، و حينما انقضى معظم الليل هب عم سيد تلول قائما يتخير موضع مبيته و كل يمني نفسه بخصوصية انفراد به باقي الليل
اما مع من يبيت!؟ 
فقد كان، لكثرة الرجاءات المتعددة بأن يخصهم بالمبيت يضع مواصفات فيها الكثير من الغمز كأن يقول بأنه لا يبيت في منزل رجل له زوجة.
، لكنه عرج إلى منزل عم هاشم و استقبله عم هاشم متهللا و هو يقول
     ايقو تيسنا.
                    Ⲓ̄ⲅⲟ ⲧⲓⲥⲥⲁⲛⲁ
و في مقام تلول أود أن أذكر بأن على بوبلو كان كلما ذكر اسم تلول ضحك قائلا:-
ايقا كجا ايني ايقو اي!!!.
Ⲁⲓ̈ⲅⲁ ⲕⲁⳝⳝⲁ ⲓ̄ⲛⲉ Ⲓ̄ⲅⲟ ⲓ̈ⲓ
و تعود القصة بأن تلول أتى لمنزلنا على ظهر حمار  و  في نفس اللحظة كان لوري ال محجوب على وشك التحرك لحلفا، فما كان منه إلا أن سلم بوبلو رسن حماره طالبا منه ربطه  ريثما يعود من حلفا.

استاذ محمد توفيق كان يقوم بدور تنسيقي هام لتعاون عبري المركزى فهو من يستلم البضائع من مصادر متعددة و يوالي شحنها و دفع فواتيرها.
اعتقد ان وفاته كانت نقطة فاصلة في استمرار التعاون.
التعاون المركزي ما بين الأساتذة الفطاحلة عبد العزيز كورة و عبد الفتاح إبراهيم و مجموعة ذهبية وهبت روحها للعمل الطوعي شب  التعاون بينهم رجلا منهم بقامة انسان بكافة أحاسيسه فلما توفى الله هؤلاء القوم تباعا توفي التعاون ايضا.
محمد توفيق كان يهتم باستضافة  مجموعة المسافرين ما بين حلفا و البلد و استضافة ضيوف وادي حلفا و منهم الأطباء الذين كانوا يتناوبون على مستشفى الوادي.
حضرت جانبا مهما من وجود دكتور الهادي بخيت كطبيب مقيم بحلفا.
يلتقيان بمودة فيقول احدهما
فللي
فيرد الاخر
حمام جبلي
ثم قهقهة و عناق و إلى الديوان و يواليان الحكاوي ما بين صوت خفيض و عالي الى أن يغادر مع الغروب.
لاحظت أن دكتور الهادي أصبح يتحدث بعض الجمل بالنوبية ببساطة.
كانت سورة الانشراح محببة لديه كثيرا فقد امنا للصلاة بها كثيرا. 
كان منزله بوادي حلفا مبنيا من الخشب كمعظم المنازل و المرافق الحكومية بوادي حلفا منذ الاغراق الجائر لمدينة حلفا إرضاء لاطماع المصريين. و توجد المدرسة المبنية أيضا من الأخشاب قرب المنزل، قبل أن ينتقل الأستاذ لمكتب إدارة التعليم. 

من حكاويه 
انه كان يحرص على اسداء النصح للأساتذة الجدد بالا يخلطوا الأمور الشخصية لمعاقبة التلاميذ و الا يتعدى العقاب خارج أسوار المدرسة، لأن التلميذ الذي يتعرض لظلم  لن ينسى يوما مهما طال الزمن بانك عاقبته اما تفشيا أو بلا سبب. 

منزل استاذ محمد توفيق بتبج يذكرني بكثير من الأحداث منها وفاة عاطف و هو طفل صغير،  اعتقد أصغر من عادل.
- لكن الأهم هو زواج شانو أعز الناس من كريمته علوية حسب الاتفاق الذي عقد بباحة مسجد تبح بأن يكون العرس يوما واحدا بدون حفل و لا شراء سرائر و دواليب  و دون كل مظاهر  الإسراف.
- للأسف لم يلتزم احد من بعده بإقامة  الزواج وفق شروط لجنة تخفيف تكاليف الزواج. 
- لا أعتقد أن أحدا مما عرفتهم جسد شخصية سي السيد مثل الاستاذ محمد توفيق فقد كان مهابا داخل البيت قراراته لا تقبل النقاش لا يعصى له أمر و هو معظم وقته اما في العمل أو الديوان سواء كان مضيوفا أو لوحده. 
- لذا كان في كل مجموعة ينتمي إليها يبرز شخصيته المناسبة  حسب ما تقتضيه الضرورة.  
حينما لزم اخي حليم بوعكة قلبية العناية المركزة بمستشفى الشعب، كان دكتور سراج هو مدير المستشفى، و كان يتميز بشخصية صارمة لا يجامل في أمور المستشفى و ضرورة أن يبقى المريض لوحده في العناية دون وجود مرافق.
اتخذنا أشجار ظليلة جنوب شرق العناية مقرا لنا و تحت أكبر شجرة خلالها اتخذ محمد توفيق سكنا مؤقتا له حتى خروج حليم.
كان في فترات ما قبل و بعد الزيارة يخلع جلابيته و يتركها معلقة في فرع من فروع الشجرة ويبقى بالعراقي و السروال في معية المذياع و يبقى متنقلا بين محطات لندن و مونت كارلو و صوت أمريكا إلى ان يغلبه النعاس فيخلد إلى النوم مطمئنا إلى أن فاجأه ذات يوم  احد اللصوص بسرقة الجلابية .
كان غضبه عظيما، لا لسرقة اشايئه، لكن 
لجرأة اللص و تجرده من الخلق لسرقة مرضى المستشفيات و مرافقيهم.
كانت إدارة المستشفي تنفذ أوامر  دكتور سراج بعدم زيارة  مركز العناية و حين حضوره كان يتعرض لكثير من محاولات مرافقي المرضى لدخول مبنى العناية تارة بالتهديد و تارة برجاءات مستضعفه لكنه ظل صارما لا يستجيب لاستفزاز و لا لرجاء حتى كتب الله سلامة حليم و خرج متعافيا. 
و في هذا المقام نذكر الأخ العزيز دكتور أحمد خليل، فقد كان سندنا في المستشفى و يقوم بتطميننا بحالة حليم. 
و حتى للدخول للمستشفى في وقت غير  وقت  زيارة،.
كان يكفي أن تقول من طرف
أحمد خليل
فتفتح الابواب
و تكرم العيون
و قبل عام دعتني ظروف مرض عزيز  لدي أن أكون في مستشفى الشعب حيث رفضوا تركيب فراشة (حسب اللوائح، لا تركب الا  نزيل بالمستشفي ) فذهبت لمكتب كبير التمريض و أوضحت له اني قريب   زميلكم المرحوم أحمد خليل، فهب واقفا و قال
ساكلف احسن من تقوم بهذه المهمة اكراما لخليل، فقد كا نبيلا بعطائه.
و لا زالت سيرته  عطره  و ان غاب فمستمر بغرز طيب خلفه.

  ثم تشاء الظروف أن اتعرف على دكتور سراج بعد تقاعده بواسطة الزميل و الصديق عبد الشكور سليمان حيث اكتشفت انه ضمن مجموعة من محبي الصيد و بالأخص صيد الرهو.  
المذكوران و السيد محمد عوض و بعض أصحابهم كانوا يمارسون الصيد البري . و كان السيد محمد عوض يمتلك سيارة مجهزة لأغراض الصيد. 
اكتشفت ان دكتور سراج رجل يتمتع بطيبة متناهية و حب للجميع و لاحظت عدم ارتياحه للقب دكتور لأنه يعتقد أنه بعد المعاش يعيش حياة جميله مع أصحاب لا يتميز احد على الآخر الا بمهارته في الصيد..
   اما استاذنا محمد توفيق بعد المعاش كان  رجلا ودودا جدا و استمتعنا بحكاويه  و حكمه و كان يشاهد معنا كاس العالم مشجعا لنيجيريا و رشيد يكيني
و تبلوهاته. 

ثم تعرض الأستاذ محمد توفيق لهزة صحية و لزم مستشفى بحري. 
اتخذنا جانبا من حدائق المستشفى مقرا لاستقبال (الزوار). 
فكل يجد المكان المناسب ما بين مفارش على النجيلة  و مساطب الحدائق. 
كانت تلك الأيام ايام ظهور السيارة الكورية ( تيكو) و كانت مى حليم تمتلك إحداها  و تجيب على سؤال 
هل جالون البنزين يساوي قطع مسافة مائة و عشرون كيلومترا، فتجيب نافية. فقط تسعين كيلو متر، فنزداد إعجابا بسيارة اقتصادية لكنها صغيرة  ربما  لا تناسب عدد تدافعنا لتغطية المناسبات. 
كان الأخ عقيد معاش حسن عبد الله مواظبا على الحضور اليومي و نساله متى سيسقط نظام البشير؟ 
قربت. 
متين؟ 
كمان سنتين أو ثلاثة فنزداد إحباطا. 

من الأمور السالبة التي لن اذكر تفاصيلها هنا
كنت قد أنهيت كل الأوراق و الدرجات المستحقة لنيل استحقاق حكومي معين و و لاحظت أن كثيرين أخذوا الاستحقاق اما بالواسطة أو..... و قد أكد لى أحدهم ان ( فلانا) يمكن أن يخدمك نظير المال.
حينما أتى  هذا الشخص للمستشفى رجوته كما أفعل كل مرة  لكنى لمحت له بأني يمكن أن ادفع و أخرجت مبلغا كبيرا  فقام باخذه و بحركة دراماتيكية و قام متوجها  للأستاذ محمد توفيق و اعطاه المبلغ  قائلا:-
حاجة بسيطة يا استاذ ،. لزوم المستشفى و كده.
نعم فهمت رسالته و هي تذكرني بالشخص الذي جلبه عسكري لتحرير بلاغ رشوة ضده، فاعترض محدثا المتحري  :-
سعادتك هو ما رافض الرشوة، بس لمن عد قروشى استشواها. 
 ثم  يضرب لي  مواعيد من الوهم، فلا  خدمني في اخذ مستحقي و لا رد لي مالي ، ( بل قشر بيهو) 

أثناء وجودنا بمستشفى بحري عاد دكتور الهادي بخيت للوطن بعد أن تخصص في جراحة المخ و ظل وفيا و قريبا لصحبه. 
  
ثم تشاء الظروف أن يتوفى الأستاذ مع صلاة الفجر بمستشفى بحري و قمنا برفع الجثمان في سيارتي ( البوكس). 
و تعطلت سيارتي بعد أن تحركنا لمسافة بسيطة، و حينما نزلت لمعرفة سبب  تعطلها جاءني أحدهم من المنزل الذي توفقنا قبالته و هو يغلظ بالقسم أن أترك سيارتي و انقل الجثمان بسيارته. 
ببساطة قمت باستبدال السيارة متوجها للكلاكلة و من ثم  لمقابر الدخينات. 
هكذا الحياة، تتقلب بين إيجابيات و سلبيات خلق الله.

كسرة
النية لازمة سيدها. 
تمت إذاعة خبر وفاته في نشرة السادسة صباحا  و قد هب الأستاذ إبراهيم (كان مدير مدرستنا حينما  كنا  في الصف السادس، والد دكتور أبو بكر ) و هو لا بعرف وصفا للمنزل سوى الكلاكلة و رغم ذلك خرج متوكلا  إلى أن عثر  على صيوان العزاء. (إضافة من شاهر) 
اللهم اغفر لاستاذنا محمد توفيق و لمن ذكرناهم من أموات
و متع من ظل حيا بتمام العافية. 

علي عبد الحليم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)