وكالة لنا كلمة
وكيل سفريات الامس صحفي اليوم سعد
رغم أننا تزاملنا في مرحلة الثانوي العام الا انني أجد صعوبة في تذكر ملامحه في تلك الفترة , و هو يكاد لا يذكر العام الذي تخرج فيه من الثانوي العام.
كنت كلما ذهبت اليه في الوكالة أجد العديد من الجنسيات المختلفه و هو يمازحهم كأنه يعرفهم من سنين.
كان ملاذا أمنا للباعة المتجولين حوالي مبنى وكالته, بل كان ملاذ كل الجنوبيين الذين يبيعون بناطلين الجيينز و القمصان الجميلة. كان يحميهم من التنكيل بهم و مصادرة بضائعهم , بل كان في بعض الاحيان يضطر الى تخزين بضائعهم في الوكالة حينما يتزاحم علية الباعة المتجولون هربا من بطش (الكشات) و حينها يضطر الى تعليق عمل الوكالة حتى تهدأ الامور .
توثقت علاقتي به في تلك الفترة و كان يناقشني في أمور خاصة ببعض المسافرين الذين انقطعت بهم السبل فيضطر الى اعطائهم تذاكر مجانية و مصاريف على أن يردوا ما عليهم حينما تستقر احوالهم .
رغم انى كنت أحب و أجل ما يقوم به الا اني لم اخفي عليه خطورة الثقة العمياء في العملاء اصحاب الحاجة الماسة و الظرف الطارئ. أشهد اني أعرف العديد ممن اعطاهم تذاكر من غير شيك ضمان أو ايصال مالي , بل كان اذا أبدى احدهم فكرة مثل هذه استاء منه.
كان يحاول ان يوسع دائرة الوكالة الخاصة لدعم ذوي الظروف الطارئة فكان يدعو معارفه المقربين الى المساهمه في دعم هذا او ذاك ممن يرى انه يمر بظرف استثنائي.
على أغلب الظن معظمهم لم يردوا ما عليهم من التزامات , بل أخرجوا الدائرة الجغرفية لوكالة ساب للسفر و السياحة من سجل زياراتهم حتى لا يلتقوا صدفة بمن امد لهم يد المساعدة و الثقة.
و لان دوام الحال من المحال خاصة في ظل ظروف اقتصادية متقلبة و متأرجحة في هذا البلد و نتيجة لحرب البعيد وظلم القريب و عدم و فاء المأتمن انهارت و كالة ساب.
و لان هواية التسفير أصبحت هوايته , اختار مهنه أخرى لها علاقة بالتسفير. مهنة ولدت من رحم المعاناة و الالم. أصبح سعد محمد أحمد وكيل السفريات السابق و كيل سفريات لكن ليس عبر الطائرات بل عبر الكلمات.
حينما أقرأ له , تجول بخاطري قصة كاتب (عرض حال) الذي أبكي الشاكي حينما قرأ له حالته فقال :(كنت اعلم اني مظلوم لكن لم أدر أبدا اني مظلوم الى هذا الحد الا الان).
له مقال اسبوعي في جريدة ايلاف (لنا كلمة) , كلامه يجعلك تستفيق من السبات الذي انت فيه على واقع مظلم حالك النسيج حواليك من كل الجوانب.
اقرأ الجزءالاول من (لنا كلمة) لنستفيق معا.
علي عبد الحليم محجوب
لنا كلمة
بقلم سعد الدين محمد أحمد
أمية المتعلمين قد يمضي وقت طويل قبل أن يستعيد الكلام نفوذه ويكون الاحتكام فيه لمنطقه الداخلي وسحره الخاص وليس لمن يصدر عنهم هذا الكلام فنحن حتى الآن نتعامل مع التواقيع على المكتوب أو المروي وهذا هو بالتحديد ما يعنيه اهل المنطق بالمصادرة ولو تعاملنا بحذف التوقيع وبحث مصدر الكلام لوجدنا القيمة نص عار ولا نسب ولان سمعة الكلام سيئة في عالمنا وليست للشعراء فقط يقولون ما لا يفعلون والاستخفاف بالكلام والتهوين من نفوذه غالباً ما يأتي نتيجة لتراكم الصمت القسري وكظم الغيظ بحيث يكون التهرب من هذا السلاح الاشد فتكاً من أي سلاح هو سبيل فقد الحول والقوة وأراد إعفاء نفسه من عبء الشهادة والمساءلة فالكلام كان الاسبق من السيف في الثورات التي غيرت مسارات العالم ولولاه لما حدثت تلك الثورات لان الشقاء والبؤس وحدهما لا يخلقان العصيان والتمرد بل الوعي بهذا الشقاء هو ما يحدث ذلك الوعي يتطلب بالضرورة تعبيراً عنه هو الكلام سواء أكان شفاهياًَ أو مدوناً وتاريخناً يعج بالامثلة حول جدوى الكلام بل باعتباره حلاً حاسماً إلا أن عهود العسف والاصمات القسري والطغيان حولت الكلام إلى قصدير وليس فضة كما تقول الحكمة المأثورة الممجوجة مثلما حول الصمت إلى ماس لانه سبيل النجاة، والجهر بالصوت يعني أولا وقبل كل شيء آخر ترجمة النوايا إلى كلمات والافكار إلى أصوات مسموعة وتأخير الثورات في بلادنا تمر بأزمة ثقافية وأزمة هوية والازمة قلة المعرفة بعدمية القراءة التي تمر في مجتمعنا بأزمة منذ فترة ليست بالقصيرة وأزمة القراءة هي انعكاس لازمة الثقافة برمتها وكلها تعمل على مبدأ التنافس والتنافر مع الكتاب دون قصد مباشر ومنها الفضائيات وشبكة الانترنت واستخدام الحاسوب في ثورة المعلومات الهائلة ومع كل العادات التي أرسيت بعيداًَ عن القراءة صار التوجه للقراءة نادراًَ وليس مشجعاً ولا ينضوي على الكثير من التشويق والمتعة ولم يحافظ على عادات المطالعة والقراءة إلا المثقفون والنخبويون الذين ليست لديهم متعة غير القراءة والمعرفة أما الجيل الجديد فليس لديه أي اهتمام واضح بالثقافة والقراءة إلا ما ندر ولهذا صار الكثير منهم يشكون إفلاساً واضحاً نحو الثقافة بكل اتجاهاتها وتفرعاتها تمثل مسألة القراءة واقتناء الكتاب والمساهمة في تطوير المعرفة من المسائل التي تشكل موضوعاً مقلقاً لكل غيور على مستقبل هذه الامة لان القراءة والمزيد من المعرفة والتعلم صارت عبء على حكامنا وهي البوابة الوحيدة للتخلص من التخلف والتبعية والشقاء والبؤس وكل أمراض العصر مؤشرات خطيرة الاهمال التي تناله القراءة في زماننا من أبناء أمة >اقرأ< التي هي أول كلمة خاطب بها جبريل عليه السلام رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم وفي المقابل نجد الاهتمام الكبير بشتى أنواعها في المجتمعات من حولنا وتشجيع الفرد لديهم على اقتناء الكتب والمجلات المختلفة ودعم الدول للكتاب ومدخلاته ومعارض الكتاب وهذا الاهتمام نجده عند الفرد من حولنا في صور متعددة منها استغلاله لوقته في تصفح كتاب أو مجلة حتى في حالات السفر والتنقل في وسائل المواصلات العامة وتلاحظ وظهر جلياً لدينا عندما كانت تستقبل الفضائيات شباب الثورة من الجنسين من الشقيقة مصر والشقيقة تونس ومدى إلمام الشباب بقضاياهم وطريقة طرحها مما أذهل الكثير من المشاهدين ومعدي ومقدمي البرامج في الفضائيات الذين عبروا بصدق بالاندهاش الكبير مستوى استيعاب وطرح القضايا العالمية والمحلية والمستوى المتقدم من الادراك في هذه الاعمار الصغيرة وهذا إن دل على شيء يدل الاهتمام بالنشء• أما هذا الخمول والاهمال الذي يتصف به الانسان في بلادنا تجاه القراءة يهدد الامة بحدوث عواقب خطيرة في المستقبل كضياع الهوية وضياع الموروث التأريخي الاصيل وضمور الامة عن إنتاج المعرفة وتعطيل الثورة والوصول إلى القدرات العالية في التصنيع والانتاج والاعلام الفاعل في شتى مجالات الحياة والهوية والتأريخ نحن بحاجة إلى إنسان يعرف المساحة التي يقف عليها إلى الشباب المخترعين والمنتجين والمبدعين ويوم نتخلص من كوننا أمة مستوردة ومتلقية فقط وإذا انتجنا وكان لانتاجنا الوقع المهم في مسار الحياة الانسانية والحياة اليومية سيكون لصوتنا صدى وهناك سيصغى إليه حتماً أن المدارس والجامعات والمعاهد تلفظ كل عام أعداداً هائلة من الخريجين تتفاوت درجاتهم العلمية وتخصصاتهم لكن الطامة الكبرى أنهم أنصاف المتعلمين ولا أقصد هنا الجميع لكن للاسف الاغلبية الذين تلقوا التعليم عبر منهج التقلين• إننا إذا ضاعفنا الجهود في تعليم الانسان منذ الصغر بالوقوف على الثوابت الانسانية ودفعه للشعور بأحقية وجوده في هذا الكون باعتباره جزءاً مهماً فيه وله حق الاخذ والعطاء ونركز عليه هو تعزيز الثقة بنفسه وبأنفسنا كمواطنين نحن بحاجة إلى فتح الافق مع الآخر وجعل إنسانناً ذا معرفة بما يحيط به وأن يكون تواصله معه هذا الكون حتى ومع من يشاركه في اليابسة والماء• وأن تغلبنا على أمية القراءة والكتابة لكننا ما زلنا في أمية الثقافة بين المتعلمين ولعل أخطر أمية متفشية هي أمية المتعلمين فأغلبهم لا يقرأ كتاباً إلا مرة في السنة في أحسن الاحوال وأحياناً لا يقرأون البتة خصوصاً بعد أن قرروا استبدال كل شيء >بالديكتال< والجلوس ساعات طويلة أمام شاشات التلفاز ومشاهدة الركض في المباريات التي قد يسبب داء الغضروف للمشاهد وبرامج التسلية والتي قد تعرض سيرة أو رواية لكاتب قد يأخذ الممثل فيها الشهرة والمعرفة باسم ذلك المؤلف رغم أن ذلك المنتوج الادبي كان على الرفوف بين أحضان جدران المكتبات وأحياناً يفترش على الطرقات مع الباعة المتجولين، إن إعراض الناس عن القراءة هو عبارة عن أزمة طاحنة وهي أكبر بكثير مما تعانيه من مشكلات مزمنة مثل البطالة والمخدرات والفقر يلعب فيها أحياناً الدين والعادات والسلطة دوراً قد يصل إلى تحريم أو رفض فكر واعتباره تحدياً مرفوضاً من خلال تفسيرات يغيب فيها العقل والمنطق الذي يقود إلى صراع بين السلطة السياسية والدينية من جهة والمثقف من جهة أخرى يخلق خوفاً من الكتاب والقراءة ويشن حرباًَ خفية وعلنية على المثقف يلعب فيه الرقيب دور الشرطي والحارس فيما يكتب وينشر ونحن في هذا الزمان والظرف اعتقد أننا لسنا بحاجة لسوق عكاظ بقاعة الصداقة لشعراء البداوة إن كان لوزارة الثقاقة دور في بلادي كان الاولى الكتاب والقراءة ونحن بحاجة إلى جعل القراءة تربية ونموذجاً إن أردنا أن يكون لنا دور في زمن العولمة والهيمنة والغزو الثقافي الذي قد يقلب الحقائق ويزور التأريخ الذي يصنعه دائماً المنتصر• وما بين الصمت والكلام فضاء شاسع يكفي لضم هموم حاضرنا وذكريات ماضينا وآمال مستقبلنا وكثيراً ما يجد المرء نفسه محتاراً بين أن يصمت أو يتكلم وعليه أن يحدد موقفه ولكن بعد القراءة لتكون نبراساً•
تعليقات