ذكرياتي في تنقيب الاثارات

في بدايات المرحلة  الثانوية العامة و تكاد الكلمات الانجليزية التي تعلمناها لا تتجاوز المائة لاحظنا ان خبراء الاثارات ينقبون شرق المدرسة مباشرة.
ذهبت مع مجموعة من التلاميذ و ظللنا نلح عليهم لتوظيفنا حيث أننا نعلم بعض الكلمات الانجليزية.
بعد الحاحنا و (لياقة شديدة)
تم تعيننا كعمال موسميين.
كان العامل الماهر يقوم بتعبئة (قفف) صغيرة بالتراب و نقوم بإفراغها في اماكن محددة.
الطورية و الكوريك كانت من اهم  معدات الحفر.
العمال المهرة كانوا يقومون برفع الطبقة السطحية للأرض و من ثم يقومون (بكحت) السطح بالطورية.
حين مزاولة عملية الكحت برقة شديدة تتبين له حدود القبر المعين.
فسبحان الله تبقى الفواصل بين القبر و الاخر قوية و عصية على عملية الكحت ، في حين ان حدود المقبرة تكون هشة و سهلة الكحت.
فالعامل المتمرس لا يقوم بعملية حفر بقدر ما يقوم بكحت خفيف و يقوم بتعبئة القفف الصغيرة بالتراب اولا باول و نقوم نحن بالتفريغ.
في زمن وجيز تتجاوز عملية الكحت الدقيق سطح الارض و يبدء بالنزول تدريجيا للأسفل.
يواصل عمليات الكحت و اماطة التراب حتى يظهر الكفن.
كانت الاكفان تظهر بيضاء و مرات لا تظهر.
كما لاحظت في بعض المقابر الشعر الكثيف و الطويل مما يدل على انها لامرأة.
 ثم تنتهي مهمة العامل الماهر و تبدء عمليات الخبراء السودانيين.
حيث انهم كانوا يقومون بكشف المومياء بحرص شديد مستعينيبن بفرش طلاء مختلفة الاحجام و كانت تتوالى عمليات ازالة التراب حتى يبقى الهيكل وحوله بعض الاواني الفخارية.
كانوا يقومون بترميم الفخار بمواد لاصقة. و في حالة تحطم الاناء كانوا يجمعون أجزاءه بدقة.
و بما ان مجموعة الخبراء من سودانيين و فرنسيين كانوا يسكنون شرق قريتنا في حي (أرض المير) فقد كنت اشاهد يوميا عددا كبيرا من الاواني الفخارية بعد اعادة لصقها و ترميمها بصورة مدهشة.
السيد أرباب حسن حافظ من ( جزيرة ارنتى) كان ضمن الاستاف و كان له الفضل في تعينننا و تشجيعنا لتعلم كيفية حفر المقبرة.
كنا نقوم بكشف القبر  الى أكثر من النصف و نخرج ليواصل العمال المهرة لتكملة العمل.
مدير الخبراء كان يسكن بأسرته في منزل عمي علي محجوب فيما كان منزل المرحوم احمد فؤاد مقر اقامة السودانيين .
عملية التنقيب هذه كانت في فصل الشتاء ، لذا كانت صفائح البنزين مرصوصة على المسطبة الخارجية للمنزل.
و كانت عربات اللاندرفر هي الوسيلة المتوفرة لديهم.
الحوش كان عبارة عن معمل كبير تجمع فيه الاواني الفخارية و معدات العمل.
 ضمن مجموعة الخبراء الفرنسيين كان هناك شاب طويل ملتحى  ، اسمه مستر ( الان) و كان دائم الابتسامة.
العم سيد حمدون كان للتو أنشا حديقته و التي كانت قريبة لمناطق التنقيب.
عم سيد كان دائم الحضور و مشاهدة عمليات الحفر و النتقيب . كان من الواضح ان تلاحظ اعجاب مستر ألان بشخصية عم سيد حمدون و نشاطه.
الخواجات كانوا يقومون بتصوير فوتوغرافي لكل مقبرة في مراحلها الاخيرة.
  مستر ألان كان يحمل معه
طاولة متحركة   (Portable Board) لتدوين الملاحظات و رسم صورة سريعة لكل قبر و طريقة وجود الجثمان.
ثم فوجئنا بمستر ألان يقوم برسم عم سيد حمدون.
لا أذكر الزمن الذي اخذه في الرسم ، لكن بصراحة كانت لوحة فنية رائعة حيث ان الرسم كان أقرب الى تصوير منه الى الرسم.
و بالطبع قام باهداء اللوحة لعم سيد.
من الاخبار السيية ان الارضة قد اكلت تلك اللوحة الفنية حسب افادة الاستاذ سراج سيد حمدون عليهم جميعا الرحمة.
 و يبقى السؤال المنطقي
هل كان يتم العثور على الذهب !!؟

الشي المتاح الذي كنا نشاهده هو محتوى الاواني الفخارية حينما تتعرض للكسر.
تراب رمادي  مفلفل(او ما يشبهه) و الخرز ، كانا اكثر ما يتم الحصول عليه.
و أعتقد ان اللون السماوي هو كان اللون الغالب للخرز.
  أما الخرز فكان مصنوعا باحجام صغيرة و قياسية لما هو متوفر الان.
بالطبع
كنا نسأل عن الذهب
الاجابة دائما اما نفي
او أن ما يجدونه قليل.
لكن كان يتم تنبيهنا ان عمليات التنقيب هي عملية علمية للدراسة لخدمة التاريخ الانساني .
لم تكن هناك اية مراقبة امنية و لا حراسة شرطية لاعمال التنقيب و السكن.
 أعتقد أن مصلحة الاثارات كانت تتمتع يقدسية و ثقة عمياء من الجانب الشعبي
و الرسمي.
لم أشاهد ضابط المجلس و لا أي مسئول حكومي في مناطق عمليات التنقيب.
أكثر شئ فشلت في تذكره هو كيف كانت تعاد عمليات الردم حيث تظل المقبرة مفتوحة لفترة زمنية طويلة.
كما أني لا اذكر حمل أي هيكل عظمي الى مقر سكنهم كما كانوا يفعلونه مع الاواني الفخارية و محتوياتها.
تحياتي. مهندس علي عبد الحليم محجوب




تعليقات

‏قال mouni
hiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
‏قال mouni
hiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)