الى جنة الخلد استاذنا يوسف احمد صابونة


الحزن يعتصرني لاني كنت مع الاستاذ يوسف قبل و فاته بدقائق بسيطة ومع ذلك لم أحضر الوفاة لاضطراري الى المغادرة اثر مكالمة أوجبت علي العودة لتسليم مفتاح مكتب احد الاخوان و الذي لسبب غريب بقى في جيبي و ليس في كالون مكتبه.
و سبب اخر ضاعف من حزني انني كنت قد شرعت في كتابة موضوع عن الاستاذ يوسف بعنوان (شفاك الله يا استاذنا) لكن الموت كان اسرع مني فتحول الموضوع الى عزاء بعد ان كان شكرا و عرفانا لما قدمه لى.
توفي الاستاذ لان المستشفى قام بتحويله من الحوادث الى العنبر.
اصيب بعده بضيق حاد فى التنفس و أمر الطبيب باحضار انبوبة اكسوجين. لم يكن هناك اكسوجين فكل الانابيب كانت فارغة وقال الموظف المسئول لا يوجد اكسوجين الا في المصنع و الانبوبة الاخيرة تم مدها لاحد المرضى قبل دقائق.
نعلم ان الاعمار اجال, لكن من الصعب معايشة لحظات وفاة انسان لان الالية التي يجب ان تقوم باعادة ملاْ الانابيب لا تعمل بكفاءة بل انه لا يسأل عن التقصير فهكذا حياة  الانسان في بلادنا عبارة عن أجرات و و أوراق اذا سقط منها ورق واحد ذهبت ارواح الكثيرين.
و هذا نداء لاهل الخير الذين يحتارون اين ينفقون أموال الخير , قوموا بملا انابيب المستشفيات ما استطتعتم لذلك سبيلا فقد تحي انفسا
و تكسب اجر من ( أحياها فكأنما احيا الناس جميعا).


يقول الشاعر
 قف للمعلم و وفه التبجيلا كاد المعلم ان يكون رسولا
و كل من د رسني حرفا أعترف له بعطائه لكن ما قدمه لي انا شخصيا الاستاذ يوسف عليه رحمة الله يفوق كل ما قدمه كل الاساتذة الاجلاء من قبل و من بعد.
و سبق ان رويت له هذا , بانه ذو فضل عليّ لا يمكن جزاؤه, كان ذلك  في عام 1983 في وجود الاستاذ محمود يحي و كان ذلك بمنزله في عبري.
وذلك الفضل يرجع حينما كنت في الصف الثالث ابتدائي بمدرسة عبري (عائدا) و متخلفا عن دفعتي بسبب ضعف المستوى في اللغة العربية.
كنت الاول بلا منازع في اكثر من تحصل على درجة (أعـــــد) في الاملاء.
و اذكر جيدا ان الاستاذ المرحوم محمد هارون (ارنتى) قد مل كثيرا من سوء مستوى عدد كبير منا في الاملاء , فقرر معاجة المسالة بان يكشف لنا موضوع الاملاء القادم هو (سلمى تحلب اللبن) في كتاب المطالعة لعل هذة الطريقة تكون ناجعة .
 كنت ارتعد خوفا من انه سينزل بكل من يسقط في الاملاء القادم العقاب الكبير
و كيف لا أخاف و انا اعلم سلفا بأني لن احرز سوى (أعـــد).
كانت المفاجأة غريبة حينما لم اجد كلمتي التي لازمتني في الاملاء (أعـــد).
كانت هناك كلمة مختلفة و تحتها الرقم 10 , لكن الكلمة التي كتبت فوق 10 هي ليست (أعـــد) , حاولت كثيرا و لم استطع.
كان على يميني في الفصل الاخ العزيز محمد عثمان كريته و الذي كان من (الشطار) الذين يتحصلون على كلمة صحح ومرات كلمة جيد.
و أنا في حالة خوف شديد من محمد عثمان و ردة فعله , سألته بالله بألا يضحك علي , فقط أقرا لي هذة الكلمة الجديدة فما كان منه  الا ان انفجر في الضحك بصوت عال لفت كل الانظار(دا صفر, بس مكتوب بالعربي)
فانضممت الى مجموعة المتمارضين الذين يذهبون الى الشفخانة في الصباح الباكر و لا نعود الا وقد انقضى و قت التسميع و الاملاء.
بعدما انضممت الى هذه المجموعة على استحياء اذا بي رويدا رويدا من زعمائها الذين يجهزون الكشف و يقودون موكب المتمارضين و الذي قل ان تجد فيه مريضا حقيقيا.
كنت مع (عز الدين أرباب, ابن بوليس عبري نقود جيوشا فشلت المدرسة في تعليمهم و للاسف كان موكبنا يزداد.
 و لم يكن احد يحاسبنا على التاخير في الشفخانة)
و ذات عام حدثت بعض التنقلات و اذا بالاستاذ يوسف صابونة هو استاذ اللغة العربية فى فصلنا.
و  واصلت بجدارة مسلسة (أعـــد) لا يضيرني من هو الذي يكتبه فى كل كراساتى. فأنا الذي اجلبه على نفسي ببلادتي.
فأصبح استاذ يوسف يكتب الكلمة  (أعـــد).
لكن لم يكن يعنفنا كما كان يفعل من سبقوه , بل يبدو هادئا عكس ما كان عليه من سبقوه من هياج و ضرب و فرك بقلم الرصاص بين الاصبعين.
كان كثير الابتسام و الهدوء و يناقشنا برجاء لم نعهده من قبل ولم نرى السوط  و لا مرة واحدة بين يده , وكانت لاناقته و وسامته اثرا يجبرنا ان نسمع نصائحه.
و دون الاساءة لاي استاذ , فقد كنا فعلا على درجة كبيرة من القدرة على رفع درجة ضغط الاستاذ , فكنا كثيرا  ما نتحصل على (أعـــد) من اعادة ما اعدنا كتابته.
لكن في يوم لا انساه , بعد ان تم توزيع كراسات الاملاء و استلافي مسبقا  كراسة الاخ محمد عثمان كريته لصياعة الاعادة التي لم ات فيها بافادة,اذا بي افاجأ بكلمة         


                  6
          __________   صحح    
                  10


بسرعة و بحركة تلقائية طويت الكراسة خوفا من ان تكون الكراسة التي امسكها كراسة شخص اخر, لكني تأكدت انها كراستي و النتيجة لاول مرة (صحح ) وليست الكلمة الكريهة التي أخرجت الكثيرين من المدرسة   (أعـــــد).
لاول مرة منذ ان دخلت المدرسة اكتشف انني أدقق في الاربعة الكلمات التي حددها الاستاذ يوسف لتصحيحها.
ثم كتبت الاربعة كلمات بطريقة صحيحة و كنت حريصا ان اراجعها مع (كريته) قبل عرضها للاستاذ.
(كريته ) كان في حالة اندهاش و راجع اكثر من عشرة كلمات اخرى كانت كافية لمرافقة درجتي المعروفة (أعـــد).
ذهبت الى المنزل و راجعت العشرة كلمات التي حددها (كريته) و ادخلتها بطريقة صحيحة بعد ازالة الاخطاء بمحاية (استيكة).
لم انم ليلتها خوفا من  أن يراجع الاستاذ يوسف العشرة كلمات و يعيدني للمربع الاول او ان يعاقبني في التصحيح غير الشرعي الذي ادخلته على كراسة الاملاء .
لكن ما لم أفهمه حينه ان الاستاذ يوسف (رحمه الله) قد غض الطرف عن عمد عن أخطاء 14 كلمة في الاملاء حسب افادة كريته 
بل سقاني من باب خبرته في التربية و التعليم ادبا جديدا .
مَنْ  مِنْ الاساتذة ابتدع هذه الطريقة السهلة لكنها ممتنعة عن الكثيرين.
كيف يمكن لعالم  بأخطاء تلميذ التغاضي عنها عمداً و تربية و الايحاء له بان اخطاءه بسيطة و يمكن تصحيحها.
لكن الاستاذ يوسف المربي و العالم ببواطن علم النفس عرفها و حتى الان لا أظن ان معهدا متخصصا قد توصل الى مثل هذا النمط الحديث في ترغيب من لم يعد له رغبة في ادراك موكب علم فاته.
هكذا كان هذا الاستاذ, القامة النوبية الكبير لكن في تواضع كان يرفعه دائما.
و قد تأثر كثيرا حينما رويت له تلك القصة في العام 1983 حتى دمعت عيناه.
الاساتذة هو جزء من العلماء الذين هم ورثة الانبياء يقومون بتطوير ما اكتسبوا من تجارب لم يتناوله منهج تدريب .
لكن مثل هذا التعامل بذكاء و أسلوب مبتكر لا يقوم به الا الاشخاص المرهفون الذين يشعرون بمعاناتك دون ان تشكو و تبث بها و قليل ماهم  , لكن الاستاذ يوسف كان سيدهم.
أسال الله تعالى ان يرحمه و ان يغسله بالماء و الثلج و البرد وان يجمعنا معه في جنة  الفردوس مع النبيين و الصديقين و الشهداء و حسن اولئك رفيقا.
و ان يلهم اسرته الكريمة حسن العزاء

محمد عثمان كريته








تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)

صخرة النبي موسى عليه السلام