الشاعر عبد الرحيم كدودة



دكتور محمد (عبد الرحيم كدودة)
بقلم \ شاهر عبد الحليم محجوب
هو من سليل سلالة القاضي كدودة من أبناء قرية تبج ريفي عبري ولد شاعرنا المناضل بمدينة تلودي بولاية جنوب كردفان في منتصف العشرينات من القرن الماضي وقد اشتهر بين اقرانة بلقب( تلودي) الذي غلب على اسم الاسرة.
التحق منذ طفولتة الاولى بخلوة الشيخ فقير محمد صالح ، درس المرحلة الاولية بعبري ودلقو تبعا لتنقل والده القاضي الشرعي محمد كدودة ، ثم هاجر الى الازهر الشريف كوالده .
عندما التحق بالازهر انذاك كانت الاحداث السياسية تموج بالخصومات الادبية بين الاديب طه حسين والازهر والحرب العالمية الثانية بين النازية والاحلاف والندوات الشعرية من هجاء وذم وخلافها وفي خضم هذة التيارات المختلفة وجد شاعرنا نفسه في دائرة القضية وتمدد فية طغيان الثورة فأتخذ سلاح الكلمة خطيبا وشاعرا يلهبُ المشاعر في ارض مصر مناهضا الحكم الملكي والفساد وكان ثمن ذلك الترهيب والوعيد واساليب البوليس السياسي ومورس ضده كل انواع التعذيب والسجن بلا جدوى وعندما فشلوا معه في كل فنون التعذيب سلم مكبلا بالحديد والاغلال والجنازير حتى قدمية الى سلطة الاحتلال البريطاني في وادي حلفا التي فرضت علية الاقامه الجبرية بعبري .
ظل شاعرنا البطل طيلة فترة الاحتلال وحتى جلائها بعبري تحت الاقامة الجبرية مشكلا ظاهرة فريدة في تاريخ النضال السوداني ضد الاحتلال البريطاني مستخدما سلاح الكلمة وهو ما يملكه منذ عهده بمصر. فمضى يشارك الناس مناسبتهم المختلفة ويؤلبهم على المستعمر ويوقد جذوة الوعي في النفوس .
اتخذ شاعرنا في اسلوبه النضالي الصارخى الكلمة كسلاح مرتكزاُ على محورين التنديد والتصدي المباشر للادارة البريطانية واخيرا كشف نظام الادارة الاهلية ومقاومتها بدعوة ان الاحتلال يتسترون خلفها ويدفعونها بايدي خفية لتحقيق نظرية (فرق تسد) لتمكين وجوده في السودان وجديربالذكر بان كلمتي الاذناب والعلوج جاءت مبكرا على لسان شاعرنا الثائر ضد الظلم والفساد والمحسوبية والرشوة عقب الحرب العالمية الثانية حدثت فجوة غذائية طاحنة في المواد التموينية مما دفع شاعرنا في شن حرب ضروس على الادارة الاهلية عاكسا معاناه وهموم عامة السكان لندرة السكر مما جعل الناس يتعاطون الشاي بالتمر(جك سادة) مارست الادارة الاهلية ابشع انواع الظلم والاستغلال في توزيع سكر البرشوت لبعض المحاسيب مما ساعدهم في الثراء الفاحش على حساب الفقراء والمساكين . فترصد بهم شاعرنا المناضل لسان حال الغلابة فاضحا سوء سياسة الادارة الاهلية ويبدو ذلك جليا من خلال القصيدة المرتجلة التي القاها في الاحتفال المقام بمدرسة عبري الاولية عام 1947م والتي ندد فيها الادارة الاهلية بالاتي النهب غايتهم والخمــر ديدنهـم
والظــلم مرتعهم لا دين عندهموا
تمـويننا نهـــــــبـوا قسموه واغتنموا
ســموه برشـتة ســعدا لمن نهــبوا
عندما ذكر مطلع البيت الاخير سموة برشتة لم يتمالك اعوان الادارة الاهلية العتاة الغلاظ صبرا الا ان علوا المسرح لاسكات صوت الحق وإقتادوه وزجوا به في السجن فكانت الشرارة الاولى لمواجهة الادارة الاهلية اداة الاستعمار لبطش الفقراء والمساكين .وفي احدى جلسات مجلس المدينة طاف المفتش الانجليزي سوق مدينة عبري ومعه الاعيان وموكب الادارة الاهلية اذا بهم يفاجئوا بموكب مناهض بقيادة شاعرنا وفي معيته مجموعة من الاطفال حفاة وعراة يرددون معه (عريانين وجاعنين) واصواتهم تججل وتمزق ساحة السوق مما دعا المفتش الانجليزي لاعادة ادراجة الى مقر عملة بحلفا معتبرا المنطقة منطقة كوارث فأرسل إغاثة لمنطقة السكوت عموما ‘ إلا ان الادارة الاهلية والمجلس استحوذوا غلى الجزء الاكبر من الاغاثة لهم ولصالح بعض المحاسيب عندئذ علم شاعرنا بما حدث لمواد الاغاثة فقام على الفور بأرسال برقية عاجلة لمفتش وادي حلفا بما يلي( أرجو افادتنا بكمية الاغاثة المرسلة ومستحقينها ونصيب كل فرد ـــ كدودة) علم العمدة بالبرقية وقام باسترداد كل مواد الاغاثة من المحاسيب ومن اهل السلطة ثم عقدوا جلسة محاكمة لشاعرنا الا انهم اخلوا سبيله.لفد كان الشاعر سريع الاستجابه للاحداثفقد وصلت تعليمات من الخرطوم لاقامة كرنفال كبير تنصب فيها الزينات وذلك بمناسبة عيد جلوس ملك بريطانية. فقام على الفور بارسال البرقية التالية الى الحاكم العام/ مستر روبارت هاو(يوم جلائكم يوم عيدنا ــــ كدودة ) امر الحاكم العام باعتقال كدودة فورا وعلى التو تحرك عربة كومر مدججه بالسلاح والعديد من رجال البوليس من حلفا الى عبري لالقاء القبض عليه ومثل امام المحقق صباح اليوم التالي لكن المحقق اندهش لما مثل امامه شخص نحيل دون سن 24 وكان يعتقد المحقق انه سيحقق مع شخص عملاق عريض المنكبين لكن المحقق لم يتمالك صبرا عندما تأكد من شخصيتة ذكرا له( كيف تكون هكذا نحيلا فاقد القوى والبنيه الجسمانية وتأتي بكل هذة الافاعيل ) فرد علية بسخريتة المعهوده ( رسلوني ليك عينة وانتو خلتوا شي عشان ناكلو ). وبعد ان قضى فترة الحبس الانفرادي في زنزانته اراد المفتش الانجليزي إطلاق سراحه بعد كتابة تعهد كتابي إلا إنه فاجاه بانه يريد البقاء بالسجن لوجود المأكل والمأوى والملبس ولان بلده المنكوبه في ظل الادارة الاهلية لن تؤمن له ما يجده قي السجن واهله محرومون من هذا النعيم ــ و بعد شد وجذب ودخول بعض الاجاويد تنازل المفتش من التعهد الكتابي اخلى سبيله بالعافية.اما ما ميز نضالة السياسي الثبات على المباديْ وان التحرير قرين التعمير وان الاستقلال يعني دولة منيعة الجانب تبنيها سواعد بنيها بالعلم والكد والعرق لا بالتمكين والجهل والفساد والمحسوبية والظلم والغش ..كان منزله بمثابة صالون ادبي يقرأ لهم جميع الصحف المرسلة له من الخرطوم بصفتة مراسلا للصحف ويلتف حوله جميع الاميون من هم في سن والده ما بين مؤيد للنازية ورافض للاحلاف وترتفع وتيرة النقاش لطريق مسدود عندئذ يلهب مشاعر الحضور بابيات من الشعر الرصين يشعل روح الحماس بأن الحرية اتيه لا مفر منها وغدا سيكون يوم عيدنا بإنجلاء الانجليز ويسير بهم قاصدا منزل ناظر المدرسة الشيخ/ عبدالمجيد عبدالرحمن للاستماع للمذياع الوحيد بالمنطقة ومن ركن قصي يلتقطون ما تحملة الانباء عن ما يدور في الحرب.رغم انه كان اتحادي الهوى والممثل بالمنطقه الا انه قد وصم بالشيوعية والتي قرنت بالكفر والالحاد وعندما يواجه بذلك الاتهام نراه يجيب بإبتسامة عريضة ساخره قائلا ( تهمة لا انفيها وشـرف لا ادعيه ).عندما رفع علم السودان فوق سارية الفصر 1956م نرى شاعرنا الفذ قد رفعته نفس الشاعر والتي تعف فوق كل مغنم كيف لا وهو الشاعر الاريب العفيف الشفيف ومنذ ذلك عاش زاهدا تاركا السلطه والجاه خلف ظهره وظل يشارك في جميع المناسبات الوطنية والعامة .و قد شارك في إحتفالات طلاب جامعة الخرطوم بالمنطقة عام 1981 حيث عرض قصيدته على سلطات المركز قبل إلقائها ولكنه بدهائه إستغل الجمع الغفير والقى قصيدة مغايرة وهذا يدل على تمكنه من ناصية الكلمة واستغلال الموقف لصالح اهله رغم ما قد يواجهه من متاعب.سبحان الله لقد بدأ حياته من الخلوة و ختمها بالمسجد زاهدا متعبدا متزوقا لحلاوة وطلاوة تلاوة القران وبصوتة الرخيم كم وكم نادى ... حي على الصلاة .كان رحمه الله مداعبا حتى اخر انفاسه ومن عجائب ما ذكره انه منع التدخين حفاظا على حياته سيما وانه سوف تبتر قدمه وفور علمة بان البتر سيكون اعلى قدمه طلب من الطبيب ساخرا ضاحكا هات (سيجارتين واحد ليك وواحد لي ).في اغسطس من عام 1997سقط القلم وجف مداده ولم تمت الكلمة وذلك برحيل شاعرنا الزعيم عن دنيانا مخلفا ارثا وسيرة عطرة سوف تتناقلها الاجيال حتما جيلا بعد جيل كيف لا وهو المدافع المنافح عن كلمة وشرف الوطن.الا رحمه الحق سبحانه وتعالى بكل قطرة مداد خطها وبكل خطوه خطاها نحو الامل والحرية والمستقبل .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)

صخرة النبي موسى عليه السلام