الشاعر عبد الرحيم كدودة-الجزء الثاني

                            شاهر عبد الحليم
الجزء الثاني



بقلم \ شاهر عبد الحليم محجوب
قرية تبج ريفي عبري (الشمالية) موطن الرعيل الاول من خريجي الازهر الشريف منذ مطلع القرن الماضي ، منهم الشيخ محمد كدودة والقاضي عثمان محجوب والقاضي حسين علي والاستاذ محمد صالح شريف واخرين اثروا العمل الحر وهولاء جميعا ارتبطوا بالقرية مما جعلها قرية نموذجية أكثر ما يميزها الانضباط والهيبة والاحترام لدرجة اطلقوا عليها الفاتيكان . في هذة القرية ولد شاعرنا السياسي المناضل عبدالرحيم محمد كدودة وقد كان نسيجا وحده فبعد ان عاد مخفورا من القاهرة بقي بالقرية وقد حددت له اقامه جبرية لا يغادرها ولكنه لم يأسف بابعاده عن مصر ولا بتحديد إقامته بالمنطقه فالاقربون أولى بالمعروف كانه استوحى قول الله تعالى (وانذر عشيرتك الاقربين) . فمن ذلك بقي شوكة في وجه كل مظاهرالرجعية ،ظل يدعو الى التحررمن الخوف ولا يدع مناسبة قومية الا وقد اعد لها قصيدة يظهر فيها معاناة أهله من شرور الفقروالجهل والمرض .
يسرني ان اقف عند بعض النماذج من شعره وهذة القصائد المختارة لها مدلول مكاني و تاريخي بصرف النظر عن القيمه الفنيه التي إتسمت بالخطابة والتلقائية
ومن هذة المناسبات زيارة الفريق الرياضي لنادي حلفا لمدينة عبري عام1968م
يرحب الشاعر لسان حال المنطقة بالفريق الرياضي ويمجدهم بالكفاح والنضال والتنديد بحكم عبود بالتفريط في رقعة غالية من ارض الحضارات التي تستغيث تحت الماء حتى الان بابناء رماة الحدق .
أهلا وسهلا باهل الفن في عبري يجود بالفن في عطر وفي بشر
اهلا وسهلا فى سكوت في فرح بفرقة الفن روض حق بالزهر
ابطــال حلفا والاعياد ميزتها لكن عيدكم عيد من الســـــــحر
فمرحبـــا بلقــاء كنت ارقبه منذالقــديم الى ان جاء بالفجــــــر
اصالة حلفا مع الســـــكوت مودة من عميــق الحـب في الصــــدر
وكنتم قدوة والشـــــعب خلفكم حتى ازلتم عهــود الشـروالغدر[/
والنموذج الثاني : يندد بالاستعمار والادارة الاهلية والدعوة الى البناء والتعمير
من عهد جونيول عهد الانجليز لهاْْْْ**** في الفطر سـطوتها بالمد والجزر
قد ضج شــعبي ونادى غير مكترث ****صفوا الادارة كابوس على الصدر
وعندما جاءت ثورة مايو بشعارتها وحل الادارة الاهلية كان شاعرنا في مقدمة الركب نكاية في نظام الادارة الاهلية، شارك بقصيدة يمجد الثورة اليكم مطلعها.
مايو ارادة شــعب ظل مرتقبا     فحول الحكم من فســق الى طهر
وفي عام 1971 شارك في إحتفالات مجلس ريفي عبري بعيد الاستقلال ذكرا نضال رفاقه في حزب الوطني الديمقراطي برعاية الازهري ومحمد نورالدين ، فهو وفي لكل المناضلين الذين حققوا الاستقلال .
ذكرى النضال نحيي وصلاتي **** للشعب للاحياء والامـوات
ذكرى النضال تحركي وتقدمي **** واحكي اليهم فصة بنيات
أروي لهم عهدا مضى يتفاخر **** سردالحقائق واجب لدعاتي
أهل تذكرين تظاهراَ وتجمعاَ **** في الدار والبوليس بالخوذات
في الدار في امدرمان معقل نهضة ** نادي الكفاح ومو طن السادات
والشـعب يهرع نحوه في نشوة **** في كل ركن فيه صدى انات
كان شاعرنا مهموما بالقضية العربية وهموم الشعوب الحرة كقضية واحدة لاتتجزاء عن المحلية ورثاء الزعيم العربي الناصري/جمال عبد الناصر
قلق اصاب العرب في البلدان *** فاسود وجه الارض بالاحزان
قلق اصاب الشعب في احشائه *** في الغرب قبل الشرق في السودانٍ
ذهب الجمال بنوره وبهائه *** بنضاله للغرب بالايمان
ذهب الذي قد كان في حدقاتنا***مفتوحة عيناه للانسان
قد ســار في درب الكفــاح معــلماَ***يـمشي بلا خــوف الى المــيدان
ويرى التردد في النضــال جـريمــة *** وصلاته للشـــعب للظمـــان
وهذه القصيدة القاها بنادي عمارة في حـفـل وداع ضــابط الصحة/ صالح الـنـور
يوم 1/11/1969م.وهو من ابناء شندى وقد كان اجتماعياً ورياضياً ومشاركاً فى كل دروب الحياة .


خبرا سمعت فلم يصدق مسمعي *** ماقد سمعت فرحت اسأل من معي
عن صحة الاخبار كيما التقي *** من ينفي لي خبرا يسيل مدمعي


وعندما اعتلى صديقة الشاعر الفذ منصب وزير وزارة التربية
والتعليم/محي الدين صابر .في تلك الحقبه زارت فرقة الفن للســلم التعليمي بقيادة الفنان الكبير عبدالعزيز محمد داود ، وشارك الشاعرمرحبا بالفرقة والوفد الزائربقصيدة القاها يوم 10/9/1970 .
أبو داود تحيتي وقصيدتي***         باقة الفن باقة من ورد
إن عــبري وان صايا وفركا***   في إنتظار لطلفه من داود
إن ســـــكوت في إهتمام يحي*** ثورة العــلم تلتقي بالعديد
يجمــوع عـقيدة تـتــحدى *** عـالم اليأس في اتحــاد وطيد
وعندما تزوج زينة الشباب وجوهرة النوبة عالم الاثار / نجم الدين محمد شريف بقرية كوكية عام 1960م وفق الطقوس النوبية بكل عاداتها ومراسيمها مشكلا ظاهرة فريدة تعتبر هي الاخيره حتى الان ، كان لابد من مشاركة الشاعرفي زواجه مجسداَ كل جماليات هذا العرس النوبي الاصيل التي فاقت كل اساطير الف ليله وليله.
بنات الشــعر جودي واسعفني***بابيات من الشــعر الرصين
بروض يملأ الدنيا ضـــــــياء***من الانغــام احـــلام السنين
وانهـار من العســــل المصفى *** تخفف من جراحــات الانين
ونبعـث نشـــوة القلب ونصغي ***على الاحباب الحـان الفنـــون
يطل عليك يانجمـــــــــي ويلغي*** الغمام تحيات المودة والحنين
عن الاثـــارمن ملك همــام***يؤدي للوفــــاء الى الامين
فحوفو ثم رمسيس وحشد***من الاتباع للعرس المبين
يلومون العريس ولا نجاة*** ولا عذر من اللوم المهين
لماذا لم نوجه في ســخاء***الى الاجداد دعوات القرون
    لم يترك الشاعر مناسبة الا وشارك فيها بقصيدة هذة مشاركة منه في مناسبة اقيمت لمحاربة العطش في دارفور ابان حقبة مايو عام 1973م .
تحيات المودة والاخاء *** الى الشــــعب العظيم وللوفاء
يجود سماحة وبطيب قلب*** يسير الى المعالي في إباء
بايمان يجود وفي اعتقاد *** بان المــال أجدى للبنـــــاء
وللســودان من جوبا لحلفا*** فلا تمييز في قرب ونـــاء
يساعد بعضه بعضا ويسعى*** الى التطوير صفا للفداء
ففي دارفور شعب ظل يبكي** يناشد جرعة من كوب ماء
وان المرء يبقى في إحتمال***شهور قد تطول وفي إكتفاء
ولكن يعجز المرء إحتمالا*** لفقدان المياه وفي العــــراء
هناك الشعب عاما بعد عام ***يراقب للسحاب في الســماء
فلا ابار للشرب بتاتا***سوى المخزون في بطن الخـلاءونحن النيل يكفينا دهورا***لنشرب في الصباح والمساء
     وفي رثاء الشيخ الجليل عبدالقادر عبده بدر الواعظ ،الفقيه، الورع ، مرجع الوعاظ في المنطقة وحمامة المساجد التقي النقي البار الزاهد المفكرالعالم في امور الدين عاش اخر عمره كفيفا حتى وافته المنيه في اغسطس 1983م اثر سقوطه داخل بئر المسجد لذلك احتسبه الشاعر شهيدا.
يا شهيد الاخلاص والايمان ****      وفقيد الاحباب والاخــوان
يا شهيد الاخلاص قد كنت صدقا****   دائم الفكر دائم الاحزان
شدة الخوف من حساب عسير**يوم عرض الاعمال في الميزان
وشعور بالذنب من غير داع****          رقة في سماحة وحنان
زاهد عن طبعه لا رياء****          كل حين في شورة وامتحان
كما شارك شاعرنا في رثاء المزارع الصبور عبدالحليم متولي ، عرفانا وتكريما للمزارع البسيط .
قد قضيت الحياة يابن الكفاح ***تزرع الارض في هوى ومراح
ان للســــــــاقية الحبيبة فيها *** نغــــمات الاوتار وقت الصباح
وإنتظار الاحواض والماء يجري***في إندفاع وتارة في شحاح
وخرير المياه في الجدول الرقراق***ينســاب في روعة في سماح
لذة لا تقاس قط بمال ***فهو أمر محبب في انشـــــــــــــــــــــراح
التصاقا بالارض عشقا غراما***عن شعور بقيمة الفلاح
لا وربي فليس قيدا ولكن *** رغم قيد الابقار حول المراح
عشت طفلا وشابا وكهلا***في ارتباط بالارض هياما و الحاح 
              قضى شاعرنا اخر عمره بمدينة بورتسودان مع ابنته سميرة وزوجها صالح محجوب واحفاده ، لكن الحنين والهيام والشوق جعله يحن ويشتاق الى شقيقته فاطمه (قاشو) التي تقيم بمدينة كوستي انذاك(اطال الله في عمرها). قرر شاعرنا السفر لكوستي واصبح يهاتي بها وعندما فشلت كل المحاولات والاجاويد تم إرجاء سفره حتى يجدوا له رفيقا يؤانسة ويفرفشه في هذة الرحلة الطويلة. فكانت هذة الابيات اخر ماسطره مداده التي جفت اغسطس 1997م.
أنا للاكل والشرب أعيش *** لست ادري الى متى ســأعيش
أنا في البيت كالسجين اختيارا***أتحلى بالصبر كيما أعيش
قلت اني مســافر قيل مهـــلا***عن قريب مرافق فرفــوش
طارق في العذاب والفكر مساه***لا اطيق التفكيروالاخت قاشو
في سؤال وربكةواضطراب*** فاسمحوا لي الرحيل للاخت قاشو
قالوا انت الزعيم انت العميد*** قلت كلا فانني برطوش
صالح اسمه يدل عليه ***وهو في القلب كالندى منقوش
ينثر العطر للجميع ويرعى***في هدوء رداؤه مفروش
ابنتي نشدة الحياه احترامي***انت نور و روعة وعروش
    
شاعرنا يحي اعجابا وتقديرا لاستاذ الاجيال الشاعرالملهم الساخر المربي علي صالح داؤد من ابناء حلفا


قليل من الهزل للاوضاع بالنقد ***أقوى من السيف في بتر وعن عمـــد
قليل من الهزل بلاشــــعار معركة***من واقع الحال في يسر وكالســــد
قليل من الهزل اهــات على الورق***للشـــــــعب يقرؤها بالشكروالحمد
الشعر للشعب للالام ملتزما *** بما يعانيه لا للذات والفرد
الشعر للشعب مراة ومنطلق***ينير للشعب دربا كاد ينهد


تعليقات

‏قال sally
حقيقة توثيق رائع لأعمال الشاعر الراحل عبد الرحيم كدودة عطر الله ثراه ورحمه واسكنه فسيح جناته
قد هزني كثيرا ما كتبه عن شقيقته خصوصا وهو قد كان طريح الفراش بعد بتر رجله في تلك الفترة
مشكور عمنا شاهر
و جهد مقدر

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)