شخصيات تبجاوية( 2)( الشيخ الورع عبد القادر عبده بدر (رحمه الله))



                 الشيخ الورع عبد القادر                        عبده بدر


اذا اراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين, فكان فقيها ورعا لا تفارق الابتسامة و جهه المضىء .
كلما رانا , و نحن اطفال صغار ، كان هو الذي يبادرنا بالسلام. 
 كنا نشعر بالغبطة و السرور فما أجمل ان يحييك رجل وقور و يشعرك بقيمة انك انسان لك كينونتك و وجودك.
كنا نشعر بالاعزاز حينما يلقانا بالبشر و كانت يده تسبق التحية بحركة سريعة الى جيبه فيناولك نقودا معدنية لها بريق.
كلما صادفنا رجلا  اخر سواه كان اما ان يكلفك بمشوار او يزجرك بالا تفعل كذا او كذا , فكنا نعتمد نظرية كشف الشارع من بعيد (long line sight) فاذا ظهر اي رجل من الاعيان كنا نسارع بتغيير الاتجاه , الا هذا الشيخ الورع كنا نتعمد ان نذهب تجاهه فاما ان يهبك ابتسامة عريضة أو نقودا براقة مع بسمة و دعوة لك بالتوفيق.
  كانت لنا هناك ألعاب الشتاء, منها نوع شبيه باللعبة الامريكية , البيس بول , يسمى ب (التشميمة ) و اخر يسمى( اول خرة ), كان يناشدنا الا ننطق بهذا الاسم القبيح ,( قُلْ:-
 اول هره 
او 
أول كره ولا تقل اول خرة)
حينذاك لم نكن ندري بفظاعة الاسم الذي كنا نردده باستمرار دون ان نلقي اليه بالا.
لا أدري من اين أتت هذه الألعاب فكل مسمياتها كانت عربية وروحها انجليزية , لكن من المؤكد انها اندثرت مع ما اندثر من العادات و الاشياء الجميلة .
و كيف نبكى على ما اندثر من الارث و البلد كله مهدد و مخطط له بالاغراق الشامل حتى لا يبقى نوبي لا في الشمال و لا في الجنوب.
كان يقوم بالوعظ فيستمع اليه الناس بقبول تام و كان يفتي في كل الامور و كان يعطيك من كل الاحكام ايسره.
كان حافظا للقران و يتابع حلقة القران الكريم و يوالي التصحيح بدون ان يكون معه الكتاب.
حتى الان اجد نفسي اعتمد على فتاوي قاطعة سمعتها منه, نسال الله ان يرحمه فقد كان غزير العلم كثير التواضع لا يميل الى مجالس السمر. فاما ان تجده ذاهبا او عائدا من أمر ضروري فلا يمكث في المجاس المكتظة الابقدر ما تقضية المجاملة و المناسبة.
كان كثيرا ما يأتي لوالدي, فقد كانت بينهما مودة كبيرة وشوق لا ينقطع , حينها كان يحدثني عن الذبائح التي ذبحت في (السماية ,ولادتي) , حيث ان هذ اليوم صادف يوم زيارة الرئيس اسماعيل الازهري.
كان من المفترض ان يتناول الزعيم الازهري الغداء مع أهالي تبج في منزلنا, لذا بلغت الذبائح سبعة من الضأن.
وتم تغيير البرنامج الى العشاء و لم ياتي الزعيم و كل اهالي تبج و عبري و من حواليهما مجتمعين في الفناء حول المنزل.
ثم اتى الزعيم في وقت متأخر و اعتذر لوالدي على التأخير , لكن ما فهمه والدي ان جهات أخرى تعمدت الا يأتي الزعيم الى تبج.
 كان احساس والدي بالغبن و ما لحق باهالي تبج من توالي الانتظار دون فائدة أمرا محزنا.
لم يقبل والدي اعتذار الزعيم بل رفض اقتراح الزعيم بانه سيأتى الصباح الباكر لتناول الشاي معه.
اعتذر ابي للزعيم بأنه غير مرحب به للشاي.
ثم قام والدي و أمر الطواقم التي قامت باعداد الاطعمة الشهية المتعددة بتفريقها لكل الحاضرين الذين ظلوا ليومين في انتظار الزعيم لانهم احق بها.
كانت و ليمة طيبة رزقهم الله بها من حيث لم  يحتسبوا.
حزن والدي كان عظيما , لم يتناول شيئا من الطعام.
ثم انتبه بان اليوم هو (سبوع السماية) لوليده و أنه كان قد أسماه (أزهري), بل ان الشهادة استخرجت بهذا الاسم.
هنا قصد والدي الشيخ العالم عبد القادر و ساله اذا كانت الذبائح السبعة التي ذبحت تكفي ل (السماية).
كان رد الشيخ العالم بأنها لا تكفي لانها كانت لغرض اخر بل يستوجب عليه الذبح من جديد للوليد الجديد.
هنا قصد والدي مركز الشفخانة (التي كانت تقوم بضبط سجلات المواليد) و قام بتغيير اسمي من ( أزهري) الى (علي) وخيرا فعل
 (عليهم الرحمة أجمعين)
هذه الحكاية , سمعت منها جزء كثيرا من الشيخ الورع عبد القادر و من والدتي و من بعض الاهالي , لكن لم يحدث قط ان حدثني بها أبي , ربما كانت تثير فيه المرارة و الالم.
ويحكي الاهالي عن عبقرية (الشيف) المرحوم الحاج عبدالله (والد ابوشعر وجد أيمن محمد احمد حاج) في , كيف قام بحشو الدجاج المحشي بالارز في بطون الخراف المشوية.
كان الشيخ عبد القادر كلما روي لي هذه الحكاية يتنبأ لي بمستقبل عظيم ,و لم ءأسف لشيء الا لاني خذلته في فراسته.
      فقد حبيبتيه (عينيه) فحمد الله وصبر ولم يكن احد منا يشعر بالفرق لانه كان يمشي وحده و اذا القيت عليه السلام رد عليك باسمك و حياك بافضل من تحيتك.
, لم نكن نصدق انه أصبح لا يرى لان كل حركاته و تنقله في انحاء البلد و ارجائه كان بايقاع منضبط فلم نسمع انه قد تاه الطريق و لم يحدث ان سمعناه يسال اين الطريق المؤدى الى.. ..او مثل ذاك الذي يجعلك تشعر بانه فاقد للبصر, هذا الكلام حينما كنا اطفالا .
فقدان  البصر هذا, كان سببا لوفاته بعدما ان كبرنا بكثير و لان الله اراد به خيرا اختار له الشهادة.
حينما ذهب للمسجد لصلاة المغرب وقع في البئر, و لم يكن هناك مصلون , و هذه حقيقة مؤسفة , فلبث في البئر وهو صابر لانه لم يرد ان يبدد طاقته في مناداة من لن يسمعه.
ظل ماكثا في البئر حتى افتقدته ابنته الحاجة فتحية (متعها الله بالصحة و العافية) و حينما دخلت المسجد تبحث عنه , ناداها بلطف بالاتنزعجي و أنه واقع في البئر و أنه بحمده تعالى بخير.
و في لحظة أجتمع الرجال و أخرج الشيخ الجليل من داخل الجب و بعد ساعات بسيطة توفي الشيخ الكريم الحاج عبد القادر عبده بدر.
نسأل الله تعالى ان يرحمه وان يرحم و الدينا و والديكم و موتى المسلمين جميعا.










تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)