تبج بين المديح و نذور المقامات

          تبج بين المديح و نذور المقامات

كنا نحضر ليالي المديح التي كانت تقترن بكافتيرات الشاي و الكركدي التي تدور بسخاء في ذكرى المولد النبوي , الاسراء و المعراج و نصف شعبان.
و كان المديح يُختم بدعاء طويل يرفع فيه الحاضرون اياديهم مؤمّنين و حينما يعرج الدعاء الى الاستعاذة تنكس الايادي الى الاسفل في حركات مستمرة .
الشيء الذي لم أكن افهمه في ذلك الوقت تسمية المديح النبوي ب(السفينة). لم أسمع بهذا الاسم منذ أن خرجنا من البلد و كنت أشعر بالحرج حينما نقول للمديح سفينة و لايفهم كلامنا أحد .فتركنا كلمة سفينة جانبا و استعضنا عنها بكلمة المديح , الكلمة الاكثر شمولية و استعمالا.
جمعتني ظروف العمل في المؤسسة العامة للمواصلات السلكية و اللاسلكية بزميل برهاني. و كان يصر على انني من ال البيت لان شيخ الطريقة البرهانية الذي اخذوا منه الطريقة هو حلفاوي و هو الشيخ محمد عثمان عبده برهان,(ادي دوي),وذهبت معه كثيرا الى مقامهم في السوق الشعبي. و حضرت أذكارهم. وفي يوم من الايام وجدت أحدهم يطلب من شيخ البدء (بالسفينة).فشد ذلك انتبهاهي و لاحظت رفضه الا ان يأتي شيخ اخر لانه هو ربان السفينة. و شرح لي ان المديح بحر عميق لا يمكن الابحار فيه بدون ربان. و اكتشفت انهم على فهم واحد وهو ان من يبدأ السفينة (المديح او الذكر) لا بد يكون أمهرهم و أحفظهم حتى لا يتعرض الى اللعثمة و التردد.
ربما لهذا السبب اقترن اسم السفينة بالمديح و الله أعلم.
كانت هناك حولية سنوية ( لا أذكر تاريخها ), كانت المدائح تنتقل فيها من المسجد الكبير الى مسيد صغير جدا غرب منازل محمد عبده بدر و انور ابايزيد وشرق منزل عبد الكريم عبده.
  و كنت أحرص في الصباح التالي لليلة المديح امعان النظر في داخل المسيد الصغير من خلال فتحات مبالغة في الصغر فأجد ما يشبه القبر مزينا بقماش اخضر اللون. 
حينما نسال عن هذا المقام كانت الاجابة التي كنا نجدها انه ضريح سيدي ابراهيم و لم نجد من يعطينا معلومات عمن هو (سيدي ابراهيم) .
الملفت ان الاحتفالات تلك كانت اشبة بالعرس قيجتمع الرجال و النساء و الاطفال.
يبدوا ان تلك المرحلة كانت فترة غزت فيها علوم الصوفية و الختمية منطقتنا
و حينما زرت (ضريح سيدي ابراهيم , في تبج) في شهر يونيو من العام 2008و جدته اطلالا و اثرا بعد عين.
أما عن اصل (سيدي ابراهيم), فقد حكى لي عنه شخص توفاه الله (نسال الله ان يرحمه), ان السيد علي الميرغني كان في رحلة الى مصر عن طريق و ادي حلفا حينما باغتت الحمى ولده الطفل (ابراهيم) فمات بها و تم دفنه هناك.
لكن رويدا رويدا اتخذ البعض من مقبرته مقاما للزيارة و الذكر حتى اضحى مقام سيدي ابراهيم من معالم وادي حلفا الرئيسية.
حينما اغرقت حلفا , و نسال الله تعالى ان يحيق المكر السيء بالذين يخططون لاغراق مناطقنا النوبية و ان يصدقنا فيهم سر اياته الكريمة فلا ينالوا ما ارادوا (امين).
 و قت  اغراق و ادى حلفا أصر الاهالي أخذ معالم بلادهم و رموزهم فأخذوا معهم رفات المناضل الشهيد عثمان دقنة رحمه الله.
و الحديث ما زال للاخ راوي الحكاية رحمه الله , كان عثمان دقنة حينما أخرج من قبره كما لو دفن للتو بكامل لحمه و لحيته الطويلة , فكبر الناس و هللوا.
و أخرج سيدي ابراهيم من مقامه فكان طفلا صغيرا و لم يفيقوا من صدمتهم الا بعد ان كبر احدهم انه ابن صالحين.
ثم اصر اخر على اخذ رفات و الده و لما اخرج , كان كيوم دفنه نضرا فكبر القوم.
ثم توالى نبش القبور و اخذ الكثيرون منهم رفات ,ابائهم و ذويهم ,الاموات و الذين كانوا مجتمعين في شيء و احد, كلهم كانوا بكامل هيئتهم كانهم دفنوا للتو.
ثم استنتج البعض أن ارض المقابر ملحية و لا توجد فيها افات و لا ديدان, و هذا لا ينفي صلاح أكثرهم (انشاء الله).
و كان احد شيوخ تبج قد راى في الحلم امرا يامره بعمل مقام لسيدي ابراهيم فكان المقام في تلك المنطقة بتبج.
تبين لاحقا أن المقام الذي أمر الشيخ به في منامه كان للشيخ أبراهيم الدسوقي شيخ البرهانيين . وهذا الرأي الغالب من وجود اسم السفينة و نوع  الذكرالذي كان سائدا وقتئذ.
وهناك مزار اخر في سهران غرب منزل عبد السيد (بابه ليلي) يسمى بمقام (اويس القرني) .كانت تذبح عنده الذبائح في الاصال فقط. و كانت دايما للايفاء بالنذور.
و  اويس القرني هو من التابعين و الذي اوصى النبي الكريم صلى الله عليه و سلم الصحابي الجليل عمر بن الخطاب بانه سياتي في زمانه من اليمن رجل صالح اسمه (اويس القرني) فاذا ادركته فاساله الدعاء و هو من معجزات النبوة.
و لما تولي سيدنا عمر الخلافة دأب يسال الحجاج القادمين من اليمن عنه حتى قيل له مرة: ماذا تريد منه انه عبد يسعى مع الابل , فالتقاه هناك وسط الابل .
و يقال انه سالهم ان يوصفوا له النبي الكريم صلى الله عليه و سلم , و لما فرغوا من وصفه قال لهم قولته المشهورة
 : ما رأيتموه الا كما يرى السيف في غمده.
و لا أعرف من الذي اتخذ له مقاما هناك و لكن رغم استحسانى لفكرته أخشى ان البعض ربما اتخذ النذور بما لا يتماشى مع الشرع. لا حظت الكثيرين  يقولون انه ينذر ل(اويس القرني , شونا او امير عبد الله) , اذا تحقق رجاؤه في امر ما بأن يذبح هناك.
و هناك في منطقة (شونان اوتي) مقام أشتهر شهرة واسعة حينما قالت الحاجة فاطمة محمود قولتها التهكمية المشهورة ساخرة اياه (انقر سولبا كلنقا قوسا أجككا فينقا نمي!!,انظروا اليه كيف يتمدد كالسلبة, و السلبة حبل طويل كان يستعمل لشد صواري المركب), و قالت هذا الكلام في حالة غضب ,حينما تركت شيئا بقربه معتقدة بالا احد يجرؤ على اخذ ما حول صحن المقام , لكنها حينما عادت لتاخذه لم تجده.
و تباين الرأي حول معنى (شونا) , فمنهم من يقول هو اسم الشيخ سيد المقام و منهم من يعتقد ان (شونا) يعني صوامع لحفظ الثمار وتقابل المقام بجزيرة صاي.
و هناك في منطقة شرقية اقرب ما تكون للمستشفى مقام يسمى أمير عبد الله , كان الناس يذهبون اليه في الاصال باللواري فتذبح الذبائح و ترتفع الاصوات بالغناء و رغم انهم كانوا يتبركون به و ياخذون من رمال مقامه الناعم للتبرك لم اجد الخشوع يرتسم على الاوجه و لم يكن ياتيه الكبار من االرجال فكان مزارا للشباب و النساء ومكانا لايفاء النذور و لا اظنه كان يتوافق مع تعاليم الشرع الحنيف و اختفت الزيارات لهذا المقام وتبج ما زالت عامرة بسكانها لانه لم يجد الاستحسان من الاكثرية.
و قد حكي , ان التنقيب عن الاثارات طاله و منهم من يقول وجد فيه صليب و منهم من يقول وجد فيه حصان .
و اختفى كل مكان عصي فيه الرحمن.
و هناك بمحاذاة القلعة (كرفة) غرب منزل المرحوم سعيد عبيدي 

مقام يسنده افقيا حجر جرانيت اخضر طويل , كان يقال لنا ان فيه فارسا بحصانه (قتله الشيطان) و لم يكن ياتيه أحد بل كانوا يتوجسون منه خوفا وكان المارة حينما يمرون خلال دهليزه (كان الممر مسقوفا) يصمتون و تتبين فيهم الخوف و كانوا يمنعوننا ان نذهب من فوق المقام المسطح بحجر الجرانيت , الان لا احد يأبه به.
ربما كان هذا هو السبب الخفي الذي يشعر الناس خوفا حتى حينما يذهبون بالطريق الرئيسي (شرق منزل ال عبيدي) رغم رحب الطريق و سعته والذي يمتد قبالته على طول (العباسية, مزرعة ال محجوب) , حيث لا احد كان يجرؤ ليلا من المشي خلال الممر الضيق المسقوف المحاذي للمقام المخيف و كثرت الاقاويل حول وجود الجن هناك.
لقراءة تعليقات الاخوة عن نفس الموضوع في الفيس بوك يمكنك اتباع الرابط ادناه
http://www.facebook.com/note.php?note_id=127468080636692

وسلامي
علي عبد الحليم محجوب











تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)

صخرة النبي موسى عليه السلام