(8) شخصيات من تبج (سيد علي همد)

                      سيد علي همد



علي (سيد علي همد)
(اللهم ان ذنوبي اليك لا تضرك و رحمتك اياي لا تنقصك فاغفر لي ما لا يضرك و هب لي ما لا ينقصك).
هذه المخطوطة البليغة كانت تتوسط جدران ديوانه حيث كان يقتني الكتب و مثل تلك المخطوطات التي تتزين بالدعاء الذي اوردناه.
كان كمثل ابائنا مهابا  ,اما علي سيد كان يهابه كثيرا بنفس القدر الذي كان معجبا به. 
لكن طارق كسر هذه القاعدة , فنحن حينما كنا نتعرض لعقاب الجلد من ابائنا كنا (ناكلها) بدون تعليق , لكن يقال ان طارق أغضب والده   فاراد ان يوسعه ضربا و حينما وجد طارق ان أباه أمسك بتلابيبه و ان الجلد واقع به لا محالة تذكر و هو (الحتالة) في ذاك الوقت (قبل ولادة حسن) كيف سيضرب و هو المدلل دايما و قال لابيه بطريقة لا شعورية 
(سيد اهبلنق تام ) .
 ردة الفعل كان مباغتة حيث غرق عم سيد في نوبة من الضحك و أطلقه. 
تخيل كيف يتحول مخزون غضب كبير الى موجة من ضحك غير متوقع.

    و ذهب كلامه مثلا
يحكى انه كان يقوم بتكليف ابنه طارق ببعض الاعباء , لكن طارق (ماطله) كأنه لم يسمع الكلام قائلا (اووه ؟؟ , نعم ؟؟؟)
فرد بسرعة و حسم : اوكرونم (سمعت)
(ومن ديك و عيك , كلما كان ردك 
(اوو ؟) 
يجيك الرد
( اوكرونم) , 
ثم تطور الامر فما ان تسال عن اي موضوع و ياتيك الرد بسرعة 
( اوكرونم) , أصبح الناس يركزون في الاستماع خوفا من لسعة اوكرونم).
(سيد اهبلنقتم و اوكرونم) , من العادي ان تسمعهما في كل وقت و زمان.
كانت المتعة ان تستمع اليه و هو وسط مجموعة من الناس , كان بسرعة يتحكم في الحوار كأنه في ندوة هو دائرها ، اذا حدث و ان تجاوب القوم مع احاديثه ترى البشر يرتسم على وجهه و يكون في غاية اللطف.
كان يجيد القراءة و الكتابة , بل قل انه كان و اسع الاطلاع حتى تشعر ان الحظ لم يحالفه ، فالذين كانوا اقل بكثير من علمه كانوا يشغلون الوظائف الحكومية.
في ذلك الزمان كانت الشهادات وحدها تحدد ان العلم في الكراس (الشهادة) .
فبكل يسر تقلد الوظائف حاملوا الشهادات .و كان الناس على قدر كبير من الخلق فلم يلجاوا الى تزوير الشهادات رغم سهولتها.
أما في هذا الزمن , لا الشهادات و لا العلم في الرأس يشفع للانسان بشغل الوظائف الحكومية , لكنك ان تجردت من كل المؤهلات و انتميت للحزب الحاكم تتبوأ حينها الوظائف العليا !!!.بل تجد لقب (دكتور) حتى لو لم تكمل تعليمك الثانوي.
         أما أين تعلم عم سيد فيجيب عنه علي سيد قائلا: 
عمل في مكتبة مشهورة في مصر  كان يرتادها الكاتب و المفكر الكبير عباس أحمد العقاد, و قد تأثر به كثيرا بل كان يطلب منه ,(الاتو قراف) ,امضاءه على دفتره فوقع له كثيرا , لكن هي الان غير موجودة.
هذه المكتبة هي التي صاغت شخصية سيد همد و يتبين تاثير المفكر العقاد في شخصيته , فالدعوة التي بدأنا بها سيرته توضح العناية في الاختيار حيث اعتاد الناس الاحتفاظ بمخطوطات الادعية المعروفة و المأثورة.
لذا كان يورد رايه في القضايا بزاوية مختلفة دائما ما يكون غائبا.
و مما اذكره عنه انه كانت تأتيه الصحف بانتظام و هذا لا يحدث الا لقاء اشتراك شهري او سنوي.
اشتهر بسيد (بيبي) , الاسمين مقرونين مع بعض,.
ربما اكتسب هذا الاسم من (السواقة) فكان سائقا في الخط , زاحم فيه العمالقة أمثال  عم هاشم محمد بدر و عم توقيق أبايزيد.
و حكى لى السيد عوض ابراهيم انه حينما كان طالبا ركب لوري عم سيد مع المرحوم محمد عثمان ابايزيد وانه رفض تناول الاجرة بل استاء لتصرفهما وصرف لهما (هرشة) , و نبهني ان اللواري في تلك الاونة رغم كبر حجمها كانت تستخدم البنزين و ليس (الجازولين). 
هو أول من أدخل في البلد عربة صالون , و نحن الذين اعتدنا على اللواري فقط ، كم كان يوما جميلا لا ينسى , ذاك اليوم الذى اتى بالسيارة السوداء (لا أذكر ماركتها , لكن سرى  عليها اسم أطلقناه سويا دون ميعاد و لا اتفاق ,(فودين دابة) و معناها الخنفساء السوداء).
لقد اهلكته هذه السيارة و ما رايناها يوما تسير بدفع ماكينتها بل (بالدفرة) حتى اذا طفح الكيل و نفد صبره تركها وسط شتوله في (البلي) وكانت  تقبع الى وقت قريب الى ان اصبحت من نصيب تجار الخرد (اقرا موضوع خرد في اسكيسيلي) .
{كان احد الاخوان يخطط الذهاب في عيد الفطر الماضي بعربته الى البلد و نسبة لان سيارته اصبحت قديمة بالمقارنة مع سيارات كورية جديدة امتلكها الكثيرون . نصحهه أحد أصدقائه بألا يذهب بها الى تبج والا فستكون نهايتها كنهاية عربة عم سيد (و ندعو الله الا تصدق نبوءته و يعود سالما بعربته)}
و تفرغ عم سيد للزراعة من البحر في( البلي) تاركا (السواقة) فكان بهذا العمل سباقا , فالجميع في تلك الفترة كانوا يؤثرون الزراعة بماء الابار لقرب السواقي من المنازل. 
شتل شتول النخيل في (البلى) و صار (البلي) يوصف من شتوله كمرجعية للوصف.
و أكبر الظن أن عم سيد همد خطط في انشاء مزرعة الشتول كهدف رئيسي و استحسن رأي ان يمتلك عربة صغيرة لتسهل له ادارتها و التنقل بها بسهولة عكس (الحمار) الناقل التقليدي.
سائق اللوري كان محور اهتمام الكبار و اعجابنا نحن اطفال ذاك الزمان وكانت حلفا نهاية سفريات اللواري و منهل ركابها تارة من الميناء و تارات اخرى من محطة السكة الحديد.
و نظرا لان اللوري كان هو الاهم و سائقه هو الذي يجد الترحاب و التحية من الجميع , فقد تأثر عم عثمان عنبي (من الشخصيات النوبية الاصيلة , من صيصاب) بوضعية عم سيد الجديدة من استبدال قيادة اللواري الى تملك عربة صالون صغيرة. و هي في نظره تدهور و تراجع الى أدنى ,
فقال له متحسرا: 
ما ديلي سيد همد اوقجري دان شوم لوق تننا فيسينقا , كوسين اوكيكا اديل ادردا تيقوسو) 
(سبحان الله : سيد الذي كان يصول مع الرجال حاملا عصاه قعد و في يده سعفة نخلة)
وفي عام فاض النيل فيه كثيرا فغطى ما غطى و أغرق ما أغرق من شتول عم سيد في مزرعته الجديده في (البلي),  شاهدت والدته (يو سارة ) الشتول في عرض البحر
فقالت قولتها المشهورة : 
خبر ايه يا بحر. 
علي سيد ينكر هذه الواقعه و يقول انها من تأليف حسن اريا (شخصية رقم1  ).
يو سارة كانت تملك لسانا عربيا فصيحا. 
 التحدث بالعربية كان حاجزا لنا نقف حيارى لا نفقه الكثير منها , و بالطبع كانت تتحدث النوبية بطلاقة.
فاذا كانت ماما نفيسة مبروكة اشتهرت ب (ماما) فالكل في تبج كان ينادي والدة عم سيد ب (يو سارة).
    لم نتبين جمال ذاك الاسم في ذلك الوقت لانه كان مقرونا ب (يو) فكان يخيل الينا , ان مجمل الاسم (يو سارة) هو اسمها (سار اسم قديم فأم النبي اسحاق هي سارة , لكنه قديم يتجدد).
كانت الاسامي كلها لا تخرج من (بابا , زهرة او زهري ,هجرة و امنة ).
من الواضح ان عم سيد  كان ملولا فلم يستقر على مهنة قيادة السيارات (تلك المرحلة لا أذكرها لكن المعلومات سماعية) فتركها و عمل بالزراعة على ارضه ب(وابوره) و ركز على الشتول كما اسلفنا.
كان يحب الحرية كثيرا لم يكن يزرع كما يزرع الناس في المشروع الزراعي التعاوني الذي كان وما زال يمد مياه الري لعبري و تبج.
ثم سافر من تبج (أظنه سافر للخرطوم , علي سيد يمكنه ملاْ هذا ...)
أسلفنا من قبل عن  شبكة مياه تبج و عن تبني المرحوم  الزبير محمد صالح نائب رئيس المجلس العسكري لشبكة مياه تبج (بحكم علاقته بالمرحوم محمد عبد القادر), لذا حينما اكتملت الشبكة حرص نائب الرئيس (تدشين الشبكة), فكان عم سيد ضمن اللجنة المنوط بها استقباله.
ضمن ما جاء في الكلمة  التي
قالها عم سيد :
(كان حالنا قبل شبكة المياه اشبه بحال الحمار الذي مات عطشا وفي ظهره الماء والذي رثاه الشاعر بقوله
(كالعيس في البيداء يقتلها الظما و الماء فوق ظهرها محمول))
غفر الله له و لموتى المسلمين أجمعين
   علي عبد الحليم محجوب 






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)