خلوة تبج (الجزء الثاني)

 
ابراهيم محمد فقير محمد صالح     
     

المعروف ان الخلاوي تقوم بتعليم التجويد و معظم الخلاوي في السودان تعتمد على رواية الدوري و ولش.

وكما ان كلمة (السفينة بمعنى المديح ,http://matayssar.blogspot.com/2010/09/blog-post_19.html ) اربكتنا كذلك كلمة الخلوة , كشفت لنا اننا لم ندرس في خلوة.
 و لكننا اعتباطا كنا نقول اننا درسنا في خلوة ,و حينما كنا نقول كذلك, كانت الاسئلة تنهال علينا , كم جزء حفظت ؟ و على اية حرف قرأتم و هل؟؟؟
حتى اذا فهمنا معنى الخلوة و ما تقوم به من تعليم تجويد القران و كتابتها على اللوح , و أنواع العقاب الموجودة  في الخلاوي تذكرت (الايام) للرائع طه حسين و كيف ان الخلوة حفظته القران و هو ابن التاسعة.
و لم أجد في خلوة تبج ما يربطنا بمفهوم الخلاوي , حتى اذا واجهتنا أسئلة عن تعليمنا فيما قبل المرحلة الابتدائية , كنا نجيب باننا لم نعرف تعليما ما قبل المدرسة.
و في هذا الموضوع الشائك علمت بأن الانجليز شجعوا نوعا من المناهج يعد التلميذ للقبول للمدرسة.
 لذا كانت هناك خلاوي ابتدائية كخلوة تبج و خلاوي معتمدة كالخلوة التي في عبري .
فكانت هناك سنتان للدراسة قبل القبول للمدرسة.
حينما دخلنا الخلوة . كانت مناهجها أقرب لمنهج المدرسة و حتى الجزء اليسير من القران الذي حفظناه كان بدون تجويد مطابقا للمنهج الذي رسمه او اراده  الانجليز.
فتخرجنا من الخلوة دون ان نحقق معناها أو حتى دون أن نعلم شيئا من أبجديات الخلاوي.
و ربما كان زملاؤنا الذين زاملناهم في مرحلة الثانوي العام من (سركمتو ) أفضل منا بكثير, فالاخ سري ابو طه كان مجودا للقران و شاعرا و كان يتلوا القران بصوت جميل.
   وعند زيارتي الاخيرة للبلد تحسرت على حال الاهل بعموم المنطقة حيث يؤم الامام المصلين بدون أدنى دراية بالتجويد و لا أحد يمد لهم  يد العون للمساعدة في تعلم علوم التجويد.
     لم أستطع أن أجمع المعلومات الكافية عما طرأ لخلوة تبج بعد رحيل جدي منها لدنقلا و لا عن الشيوخ الذين تعاقبوا من بعده, لكن ما سردناه من حقائق في هذا الجزء يدل على قناعة الاهالي لمنهج الانجليز لما فيه من يسر فصرفوا أنظارهم عن الشيوخ الحفظة.
وفي عهد قريب , كان الشيخ داوؤد أخ (ساطور) هو من يقوم بالتدريس في الخلوة حتى خلفه الشيخ يحى محمود ثم من بعده الشيخ أحمد عبد الرحمن.
  استطاعت الخلاوي ان تصمد بكل وهجها وقوتها في الشرق كما في همشكوريب و كذلك في أماكن كثيرة من غرب السودان و لم تفلح أغراءات الانجليز لها لافراغها من محتواها بتيسير قبول خريجها في المدارس .
  وجدت (يو تيوب) عن خلوة بمسجد تبج  (الحمد لله ستجد عنوان اليوتيوب اسفل الموضوع (و له الشكر و لعله يرينا من انتاجه الكثير)
   لم أستطيع معرفة الاطفال الموجودين  في اليوتيوب و رغم التلاوة المجودة للشيخ لا تجد الاطفال يرددون شيئا خلفه.
وكذلك يمكنك مشاهدة عدد كبير من رجال تبج و الواضح أن البرد كان قارسا و أنهم كانوا لاستقبال شخص ما.
        شهر مارس في جامعة الخرطوم هو شهر الامتحانات و هو شهر أسماه البعض ب(مارس شهر الكوارث), فما ان يأتي هذا الشهر حتى تعج الجامعة بزوار من كل نوع.
كل من يعاني من أمراض نفسية  , جنون صريح أو على وشك ان يجن كان يقدم الينا في ذلك الشهر قيقوم بانشاء الاركان. فيجد كل منهم مستمعين و تلتف حولهم حلقات المعجبين وفجأة يأتي بحركة (خارج الشبكة) فينفض الناس من حولهم , بالاخص الطالبات.
 و كان شخص من منطقة عكاشة يمتلك ركنا في ذاك (الشهر) و كان ينذرنا و يحذرنا بان مصيبة كبيرة على وشك الوقوع و كان من السهل ان تتبين حقيقة تخوفه من وقوعها .
    و الجميل اني بعد عشرين سنة وجدته يمتلك محلا لتصنيع الاسرة و مستلزمات الحديد وهو ما شاء الله بخير .
كلما أتانا شهر مارس في الجامعة , كنت أذكر خلوة تبج و كيف كان يأتيها أشخاص غرباء من مناطق متفرقة و كيف كنا حينها نفر من نوافذها التي كانت خاوية من الشبابيك.
كلما أتانا فيها (ميد اربو بصرته) , (الطاهر بمنجله) , موسى بهممته تاركا ثقله على عصاه يتوكأ عليها (و هناك نفس الملامح التي ذكرها الروائي الرائع الطيب صالح عن موسى الاعرج تنطبق بنسبة 100% على موسى هذا الذي كان يأتينا في تبج , فهل هو مجرد تشابه ؟؟) و( ممر بعصايته) يتحسس بها طريقه ,كنا حينها نطلق ساقينا للريح و أذكر ان الاخ ماهر ضرار (حفيد الشخصية رقم 3 *) رحمه الله رحمة واسعة فقد توفى و هو شاب صغير. كان ماهر يقوم بتدريسنا في يوم ما و حينما اتى احدهم كان هو أول الفاريين.
و لك ان تتخيل كيف كان فرارنا !!!.
من الاشياء الجميلة التي كانت في الخلوة كانت الطلعات التي نحمل فيها راية الخلوة و نخرج طالبين الكرامة بترديد:
 (يا الله يا كريم) , فتنهال علينا الكرامة من كل من وصلناه , كانوا يخرجونها ببشر واضح و جلي من (بليلة و لوبيا) فنرجع الى الخلوة فرحين و  مثقلين بما جمعناه من (بليلة) وبما احتطببناه مما تيسر, نقوم بطبخها و( نسفها) في لحظة .
 كانت هناك حلة سوداء من أدوات الخلوة مثلها مثل السبورة التي كانت تتوسط الحائط الشرقي للخلوة.
    كان الناس حينما يعطوننا اللوبيا و البليلة تنفرج اسارير وجوههم بالسعادة و الغبطة و كان يشجعوننا على تكرار ذلك قائلين ان الذي نقوم به من ترديد و ذكر اسم الله و جمع الكرامة هو الذي ينزل عليهم الخير و الرحمة .
تلك الوجوه التى كانت تخرج البليلة برضا واغتباط لم ار لها مثيلا منذ ذاك الزمن البعيد الجميل.
أيتها الوجوه التي اكفهرت بدفع الجبايات , الجباية تلو الجباية حتى فقدت الوجوه البشر أخرجوا (الكرامة) كما كان يفعل أهلوكم و بطريقتهم تلك و أسالوا الله الفرج (أليس الصبح بقريب).


لمن لم يقرأ الجزء الاْول:
http://matayssar.blogspot.com/2010/10/blog-post.html


(*http://matayssar.blogspot.com/2010/07/3.html الخليفة محمد عثمان محمود)
   الحمد لله موضوع يوتيوب خلوة تبج , هذا هو الرابط
https://plus.google.com/u/0/youtube/player#JTVCJTIyMXNsNiUyMiwlNUIyLCUyMiU1Q3UwNjJlJTVDdTA2NDQlNUN1MDY0OCU1Q3UwNjI5JTIwJTVDdTA2MmElNUN1MDYyOCU1Q3UwNjJjJTIyLCU1QiU1RCU1RCwyJTVE



علي عبد الحليم


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)