مع الشوش

حوار: عبد الباقي الظافر- عيسى جديد:
ولجنا الى حديقة الأوزون بالخرطوم..المكان الذي اختاره الأديب محمد إبراهيم الشوش..عمامة بيضاء وجلباب ناصع البياض وشلوخ مطارق ورجل يفيض رقة حينما يتحدث عن الذكريات ..في بعض مراحل الحوار كان يداري دموعه بطرف عمامته ثم يمسحها بسرعة..بدأ لي في البداية وهو يختار مواصفات فنجان القهوة مثل انجليزي يستمتع بمرحلة التقاعد حينما غرقنا في التفاصيل وجدت الشوش رغم الغربة والترحال وكيد السياسة يحتفظ بروح ابن البلد الأصيل..معاً إلى حوار استصعب علينا إعادة تحريره ! فتعابير الشوش وصراحته لا تقبل التدخل الجراحي، ومن الصعب على التلميذ ان يدقق في أوراق استاذ بقامة محمد إبراهيم الشوش... فإلى مضابط الحوار ..

كان غريباً جداً أن الدكتور محمد ابراهيم الشوش بتاريخه الكبير وعلمه الوفير أن يقبل منصب مستشار إعلامي بالسفارة السودانية بقطر.. ماهي تفاصيل هذه المحطة؟
هذه طبعاً من أغرب قصص حياتي، ولكن في الحقيقة سوف اختصرها لك لأنها طويلة.. وأنا حقيقة نادم على قبولي لمنصب الملحق الثقافي بقطر... فالقصة بدأت باتصال من الوزير الأستاذ الزهاوي ابراهيم مالك وزير الإعلام والثقافة، حينها وحدثني عن الوظيفة وهي مستشار إعلامي في قطر، وأنا وقعت لي الفكرة، واعتقدت أن قطر هي أجمل فترات حياتي، والإنسان لديه خيال وذكريات، لذلك اعتقدت أنني سوف أعيد أمجادي، وذاك الماضي الجميل وقبلت الوظيفة.
ألم تستشعر أن هذه أقل من قامتك؟
لم أكن أعلم بأنني سوف أكون موظفاً بالدرجة الخامسة.. والوزير تحدث لي بأنني ستتم معاملتي بطريقة خاصة، وهو حقيقة لم يكن يدري أن الوظيفة تتبع لوزارة الخارجية.. وأن وزارة الخارجية لم تكن مرحبة بفكرة المستشارين الإعلاميين، ولهذا اسمتهم بالملحقين، وجعلت من فوقهم كادر الدبلوماسيين.. ولذلك أنا بعدم معرفتي بالخارجية وعدم معرفتي بالمستوى وطريقة عملها قبلت الوظيفة، وافتكرت أن الشوش بتاع هذا العهد والسنوات، هو نفسه الشوش بتاع السبعينيات.. فاكتشفت أنني مجرد كاتب تقارير، وراصد صحفي وأصبت بالإحباط....وحتى عندما وصلت للدوحة وجدتها تغيرت تغييراً جذرياً في كل الأماكن، وحتى الأشخاص، وبت غريباً فيها.. وكنت أسير في شوارع الدوحة كما أهل الكهف.... واذكر أن السفير «فقيري» كان رجلاً مميزاً حينها، ولكن القصة لم تكن شخصيات بل فهم طبيعة العمل.
البعض يعتقد أن تنصيبك في موقع المستشار الإعلامي بالدوحة كان مجرد صفقة؟.
هذا الاتهام أطلقه الكُتَّاب الذين يكتوبون في الصحف القطرية، هم المعارضون للحكم في السودان... هم من اتهموني بأنني قد بعت نفسي للإنقاذ، وكنت أمزح معهم.. هل أنتم متأكدون بأنني بعت نفسي للإنقاذ عبر صفقة، وفي الحقيقة لم تكن هناك اي صفقة في الأمر، وأنا لم أمدح الإنقاذ حتى تكافئني بهذا المنصب.. بل لاحقاً اكتشفت أنني أعمل في وظيفة لا تناسبني.
مقاطعاً.. إذن لماذا لم تستقل وقبلت العمل وأنت غير راضٍ عنه؟
نعم لماذا لم استقيل لأنني كنت اعتقد أن العمل سيكون لفترة معينة.. وهذه واحدة من الأخطاء التي سآخذها على نفسي دائماً، وهي قبولي لهذا المنصب، ولن انسى ذلك أبداً.. وعوقبت على هذا الخطأ.
كيف عوقبت؟
عند نهاية خدمتي لم ترسل لي وزارة الإعلام خطاب إخطار بنهاية المهمة، ولا حتى جواب شكر، وجاءني خطاب بواسطة موظف من الخارجية موجه الى السفير وليس لي.. ومن عباراته التي لا أنساها.. أن المذكور أعلاه... انتهت فترة عمله يرجي منه العودة لوزارة الخارجية بالخرطوم.. «بعد كل هذا التاريخ والعمل والسنوات الطويلة تُوصف بالمذكور أعلاه في بلدك».
إذا أسقطنا هذه الحادثة على علاقة المثقف بالسلطة كيف تكون هذه العلاقة في تقديرك؟
ليس مطلوباً من المثقف إعلان انتماء سياسي، ولكن المشكلة في البلاد المتخلفة أن الفرص كلها لدى السلطة.. وهذه البلاد تفتقر الى المؤسسية، وصعب جداً للمثقف أن يكسب عيشه، فإما أن يتوه في الشارع أو يهاجر أو عندما يتحدث عليه أن يأطر كلامه «قالها وهو يضحك»...ولهذا نجد أن الأغلبية هاجرت وبعضهم تأطر... وعلاقة المثقف بالسلطة وطرحها كما لو كانت خياراً هو منطق خطأ فهي مشكلة.
ألم تشعر بالحرج- وأنت قامة أدبية وأستاذ جامعي ورئيس تحرير ومثقف- وأنت تدافع عن نظام يراه البعض أنه نظام شمولي يعادي الحريات؟
أنا لم أكتب كلمة واحدة تزلفا لحاكم أو نظام ولم أمدح الإنقاذ ..أنا نظرتي كانت نحو بلد مظلوم إعلامياً، ولديه قدرات هائلة وكامنة، ونحن كإعلاميين لنا دور مهم في نشر ذلك... وأنا أعتقد أن اختياري لمنصب المستشار في قطر نسبة لعلاقتي السابقة، وليس لعلاقة مع الإنقاذ وأنا أعرف جميع قادة الإنقاذ، ولم يطلب مني أحدهم كلمة مدح لا إيعازاً ولا توجيهاً... وموقعي الدبلوماسي أيضاً ما كان يتطلب مني الدفاع عن الحكومة، والحكومة نفسها لم تكن لها ممارسات واضحة... في أي اتجاه، وهناك بعض الأشياء أقولها عن الحرية الموجودة في السودان التي لم أشاهدها لا في أمريكا ولا بريطانيا، وفي نفس الوقت هناك ممارسات مسيئة هنا في السودان، لم تحدث لا في أمريكا ولا بريطانيا.. لهذا ليس هناك سياسة واضحة تستطيع أن تدافع عنها.. ومشكلة السودان في أنه ليس هناك تخطيط واستراتيجية..
هل تشعر بأن الإنقاذ استخدمت بعض المثقفين لفترة وبعد استنفاذ أغراضها..استغنت عنهم؟
ياريت لو كان هناك إدراك لاستغلال هذه القدرات ووضعها في الإطار الاستراتيجي لفائدة البلد- كما قلت سابقاً- ولكن هذا لم يحدث، لهذا كان يجب استيعاب جميع المثقفين حتى الذين لهم رأي آخر، ولكن سياسة الاستقطاب أضرت بالإنقاذ.. حتى الإنقاذ لم تحسن التعامل مع مثقفيها، مثلاً دكتورقطبي المهدي- وأنا أعرفه منذ أن كان مسئولاً عن الحركة الإسلامية بكندا- حديثه الآن عن الاصلاح والتجديد والتغيير قد فُهم خطأ.. وأيضاً الدكتور عبد الوهاب الأفندي أول من كتب عن الإصلاح والتجديد للحركة الإسلامية أيضاً تم تحييده وعدم قبول حديثه...إذن ليس هناك سياسة مرسومة لهؤلاء المثقفين والمفكرين.. والنظر إليهم ولتجاربهم .
الحكومة عرضت على الدكتور محمد ابراهيم الشوش مشروعاً لمجلة ثقافية في مصاف مجلة العربي.. حدثنا عن هذا المشروع؟
ملف المجلة فيه جوانب شخصية من الصعب ذكرها، لكن من الحق أن أشيد بعدد من الأخوة الذين ساندوا هذا المشروع والفكرة الضخمة.. لكن في الحقيقة لم تتكامل الجهود لهذا العمل الثقافي الكبير.. والذي وجدتُ صعوبة في إنفاذه.. لعدم وجود التمويل الكافي... وقياساً بمثل هذا العمل أن الآخرين صرفوا عليه الكثير مثل ما حدث في مجلة العربي وغيرها من الإصدارات الثقافية.
هل المشكلة كانت في التمويل فقط ؟
.. يمكن القول إن التمويل لم يكن هو السبب المباشر لكن هنالك معوقات أخرى.
ü يقال إن مشروع المجلة الثقافية تم استغلاله من بعض النافذين لاستثمار اسمك في اقناع الجهات المسئولة ليستفيدوا مادياً من ذلك هل هذا صحيح؟
من الصعب أن أجيب على هذا السؤال... لكن أقول لك في اي مكان يوجد الاستغلاليون.. يعملون على استغلال أسماء لها أفكارها ومنتوجها، لكن أنا لا أريد أن القي عليهم لوماً على ماحدث.. لكن أنا اتحدث عن الأبواب المغلقة وسياسية (التطنيش( وعدم الاهتمام، وصعوبة التواصل مع المسئولين، حتى هاتفياً.. على العموم أنا أوقفت اتصالى بهم لمواصلة المشروع لعدم الرد.
هل شعرت بأنهم يهربون منك؟
عندما اتصل عليهم لا أحد يرد... ولا أحد يريد أن يستمع الينا، وعدم القدرة على الاتصال يجعلك غير موجود.. وأنا اعتقد أن هذا ليس خطأ الحكومة، ولا خطأ المسئولين، فهو خطأ التركيبة الاجتماعية للسودانيين، فالمجتمع السوداني لا يحل قضاياه إلا عبر أكبر شخص، فإذا فتحت هذا الباب يستغل استغلالاً خاطئاً وإذا اغلقت هذا الباب يضيع كل شيء فالمعادلة صعبة .
الآن ماذا لديك من خيارات وماهواتجاه تفكيرك؟
الخيارات صعبة جداً.. وأول خياراتي السكوت، والمشكلة أن الحاصل في السودان يصعب معه السكوت، هذه هي المشكلة.. والتفكير في الهجرة مرة أخرى كخيار أيضاً.
تبدو متشائماً الى حد كبير؟
نسبة لعدة أسباب.. منها الحالة العامة البلاد، وما هو حادث بين الحكومة والمعارضة والضغط المتواصل.. وحالة الشد والجذب الحاصلة، وعلى مستوى الإعلام.. .فمثلاً حالة الأستاذ الطيب مصطفى والذي لديه رأي مختلف، فيُهاجم بأنه خال الرئيس.. السؤال ما ذنبه إذا كان خال الرئيس، وله رأي مختلف؟
هذه حالة سودانية مختلفة في الاختلاف، كذلك ما واجهه الأن قطبي المهدي من ردود أفعال لمجرد الافصاح عن رأيه، وقس على ذلك من حالات في قبول الآخر وحالة الحوار السياسي والاجتماعي، نحن نحتاج الى الكثير في كل هذا .
ü نعود بك من السياسة الى الثقافة وقراءتك لفوز الأستاذة الشاعرة روضة الحاج في مسابقة سوق عكاظ.. هل هذا مؤشر بأن السودانيين بدأوا يعودون للريادة أم هي حالة استثنائية؟
أنا أفتكر أنها حالة استثنائية، وأن روضة الحاج متميزة كشاعرة لها ادواتها بلا شك، وأهم ما في هذه الريادة هو أن فوزها جاء في توقيت مناسب، حيث أن السودان وصل الى مرحلة من الضعف، وهناك دائماً صراع عربي في كثير من هذه المسابقات، كل دولة تحاول أن تكون هي الرائدة، وهناك تلاعب كبير يتم ونحن كسودانيين ليس لدينا وجيع لهذا انا سعيد بانجاز روضة الحاج.
ماهى رؤيتك للمشهد الثقافي السودانى وتعدد الكيانات الثقافية وهل هى ظاهرة صحية ام سالبة ؟؟؟
هذا سؤال صعب والاجابة عليه تتوقف على ما سوف يحدث من حراك ثقافي ..ام مايحدث من مشاهد ثقافية هو حالة استقطاب حادة جدا فى مختلف النشاطات السياسية والثقافية والاجتماعية وحتى الرياضية.. من جانب السلطة وتعاملها بردود الأفعال وليس لديها تخطيط وأنها حالة أدلجة فكرية، سياسة الإنقاذ التي وضعها الدكتور حسن الترابي هي سياسة من ناحية ميكافيلية صحيحة، وهي أن تجعل الشعب يواجه نفسه وليس الحكومة، بمعنى اي كيان يواجه كياناً آخر مماثل له.. يعني هذه المقابلة تكون موجودة.. بعيداً عن الحكومة.
هل ترى إمكانية لنجاح الإصلاح بالسودان البعض يراهن على اصلاح النظام من الداخل؟
والله أنا اعتقد مافيش أحد لا يأمل في التغيير زو مع التغيير، الآن الاستقطاب وصل بتأييد البعض للذين هم خارج السودان، وكنت اتمنى أن يكون داخل السودان... ولا سبيل له إلا بالجلوس مع بعض ونبذ الفرقة والوحدة، ورتق ما فتق من نسيج المجتمع لأن البلد مواجهة بمؤامرة كبيرة.
تتحدث عن مؤامرة كبيرة؟.
مؤامرة أمريكية تعمل على تفتيت الوطن، وهذه الفكرة كلها من وجهة نظري وراءها أمريكا، مثل ما حدثت في افغانستان والعراق فى عملية التقسيم والفوضى الخلاقة.. وفي السودان الفكرة كانت قائمة بحسب استفتاء 1956 إن عدد العرب هو 39% وهذا يعني أن الأغلبية الساحقة هم المهمشون من الأصول الأخرى بالتالى العمل على تمليكهم السلطة والجنوب لا ينفصل بل يمتد كقاعدة للقيادة، ولكن في ذات الوقت لابد من تحريك الصراع القبلي لتغيير المجتمع، ولكن السؤال هل هذا أدى الى خلق تماسك أو تمزق جديد.. إذن برأيك هل الانفصال كان صحيحاً أم خطأ؟
لا ليس هذا أو ذاك من القول بصحته أوالخطأ.. فالقصة أن الانفصال- حسب الجهود التى بذلتها بريطانيا- والعمل المتواصل من الكنائس وسياسة المناطق المغلقة، والتكوينات القبلية، الانفصال كان ضربة لازب ...لان هذا ما عملوا له... وما أراده الجنوبيون الذين صوتوا للانفصال لذلك اتهام الطيب مصطفى بانه سبب في الانفصال أو الانتباهة لعبت دوراً في ذلك، فهذا غير صحيح، فالانتباهة غير مسؤؤولة عن الانفصال.. هي آراء سياسية كتبت عن الوضع للانتباه وكذلك الاتفاقية للسلام .
إذن كيف حدث الانفصال ؟
هذا الذي حدث كان لابد أن يحدث لمرارات طويلة عند الجنوبيين ..و القوي الاوربية أدركت أن خطتها فشلت في التغيير الشامل للسودان عبر مراكز الدراسات، التى كانت تحشد لفكرة ثورة المهمشين، ضد الشمال، و رغم أن جون قرنق رفع شعار سودان جديد وفقاً لخطة اوربا للتغيير... ورغم أحلام الشماليين بالوحدة الجاذبة..إلا أن الأمور سارت نحو انفصال الجنوب .
ولكن الحركة الشعبية بذات طرحها كان لها وجود في الشمال؟
وجود قطاع شمال يعتمد على ياسر عرمان والحلو ...فهم قطاع قائم على شخصيات مهترئة لا تشبه كارزيما جون قرنق.. لذلك اعتقد أن النهاية منطقية لصراع طويل، وكذلك نحن كمتعلمين لم يكن لنا دور بارز، وضيعنا البلد ولو كنت امتلك بطاقة اقتراع في الاستفتاء - وأنا جنوبي- لاخترت الانفصال لأنه خيار وحيد وسط ظروف صعبه .
اسئلة مختصرة في شخصيات عامة ؟
حسن الترابي :
الترابي.. شخص متعدد الاتجاهات، متعدد المواهب، ذكي جداً وعنيد جداً ويمتاز بالشجاعة والاقدام لدرجة المخاطرة، وأعتقد أنه لا حدود لعداواته حتى ولو أدت الى تحطيم البلد
ابيل الير :
من الشخصيات الجنوبية التي كان يمكنك لو اتخذنا سياسة مختلفة أن نخلق منها شخصية وحدوية مثل وليم دينق..ابيل الان كبير في السن لم يعد قادر على أن يكون فعالاً.
حسنى مبارك:
أكبر كارثة حصلت للعرب..استذل مصر وأعطى كل شيء للكيان الصهيوني.
نوال السعداوي :
امرأة محدودة الثقافة والموهبة واذكر تماماً أنها كانت تكتب لنا في جريدة التضامن، وكنا نصحح لها مقالاتها.. تبحث عن الشهرة بالتركيز على سلبيات مجتمعنا العربي والإسلامي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)