اركونقا فا كدي موقمنو

احمد عبد الرازق , محمد حسن , مصطفى

(سهران), الاسم  العربي الذي أطلقه السيد هاشم محمد بدر على تبج الجنوبية. كانت لزمن قريب مكتظة بالسكان.
حتى البعوض بطنينه و لسعاته و الذي بسببه أسمى تلك المنطقة  الجديدة بسهران ,لم يجعلهم يرحلوا منها
الخروج من (أوبا) كانت بمثابة هجرة من تبج.
و كم كانت هذه (الهجرة) كلمة لا يحبها النوبيون.
كل شئ سيئ في حياة النوبيين , ارتبط بالهجرة.
  المجاعة و الافقار الذي ضرب المنطقة النوبية و تبج بالذات في مجاعة سنة 1306 سميت بالهجرة و ليس بالمجاعة.
جدي الفقير محمد صالح شيخ خلوة تبج حينما يأتينا من دنقلا , كنت أرافقه في مشاويره.
بحكم صغر السن و عدم الدخول في المدرسة في تلك السنين البعيدة , كنت رفيقه.
كنت أضجر كثيراً من تلك الرفقة القسرية.
فزوار جدي لم يكونوا من النوع الذي يستلطفه الاطفال.
كل من كان يزورهم جدي كانوا مقعدين بسبب كبر السن.
من تلك الزيارات التى لا أنساها, حينما رافقته لزيارة الشيخ سعيد بركية , جد دكتور امجد ابراهيم سعيد.
لو كنت أعلم حينها أهمية تلك الزيارات لما كنت راوغت و تقاعست عنها.
اللقاء بينهما كان لدرجة كبيرة دافئاً, و كانت الدموع تسيل من وجه الشيخ سعيد و الذي كان لا يقوى على القيام من السرير.
ما أذكره جيدا من تلك الزيارة التي استمرت لعدد من الساعات, حيث كنت أخرج معه صباحا و لا نعود للبيت الا و الغروب على وشك أن يغطي كافة ارجاء القرية.
كان يتحدث , كيف رافق والده ( سنة الهجرة) , سنة 6!
كان طفلاً صغيرا لا يقوى على المسير , لكنه كان متشبثاً بتلايبه خوف أن يفتقده.
كنت أركز في كلامه أحيانا حينما كنت  أتخيل أن تلك الرحلة لم تعجبه تماما كما لا تعجبني رحلتى مع جدي لمكان لا أجد فيه طفلاً ألعب معه. كنت أشعر ببعض التقارب  و لكن سرعان ما كنت أمل الكلام الدائر بينهما و أخرج للخارج ثم أعود.
 ثم كان غرق حلفا و الهجرة أو التهجير القسري لارض البطانة.
كان غرق حلفا, أقوى مؤثر في احساس الناس في المنطقة النوبية جنوباً بتجاهل السلطات في المركز لقضاياهم.
حلفا كانت تحتضن المنطقة النوبية كالأم الحنونة تاركة له الخيار أن يبقى فيها , يذهب لمصر أو يمتطي (قطر السودان) للخرطوم.
الخرطوم تلك المدينة الجديدة  و الغربية كانت أبعد في الوجدان النوبي من أسوان بل أن حي عابدين بالقاهرة كان أقرب و أدفأ.
و كلما مرّعقد من الزمان , كان الفقر يطبق على المنطقة النوبية نتيجة الاثار السالبة لغرق حلفا.
كثيرون رجعوا الى القرية بعد أنْ بلغوا المعاش الاجباري. كثيرون كانوا يعتقدون بأنهم يمكن أن يواصلوا حياتهم بعد المعاش في القرية كما بدأوها من هناك.
لكن الظروف الجديدة من دخول الابناء في الجامعات , سوء المواصلات , سوء الاتصالات و التدهور المريع الذي اصاب  السكك الحديدية , أرغمت الكثيرين للهجرة من تبج للخرطوم و بداية  البحث عن  بيت (بديل) هناك.
حينما يتوفى  أحدهم بالخرطوم , كانت ألام أن الجثمان سيدفن بعيداً من القرية, بعيدأ عن مقابر الاباء و الاجداد , كانت تلك الالام أقوى من ألم الموت ذاته.
 ثم أصبحت الخرطوم  تسرق الشخص و منذ البدايات . فمن يأتيها طالبا , يتخرج و يعمل فيها و يتزوج و يستقر فيها.ثم يتحرر من فكرة الايجار الى امتلاك منزل  فيها . و بذا أصبحت الخرطوم تسرق الاسرة و هي في بدايات تكوينها.
ثم ,أصبحت تزور القرية مرة و تنقطع مرة حتى أصبح كثير من الابناء لا يعرفون عن تبج الا اسمها.
هؤلاء الابناء المنتسبون لتبج دون رابط وجداني بها, من الصعب أن يلومهم أحد حتى لو طرحوا سؤالاً يمكن أن يميت الكثيرين!
أيه رأيكم نغير اسم تبج ؟
و نواصل

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)