شئ من الحب





فى المرحلة الابتدائية كنا كبارا في السن , لكن رغم هذا كان من هم أكبر منا في العمر.
مشاهد العودة من المدرسة (بالاقدام) الى البيت كانت دائما ما تكون ماساوية لمن هم في حجمى. كان من هم أشد منا قوة يتلذذون بزجنا في معارك لا تنتهى. كانوا يرسمون خارطة طريق المعارك و المصارعات بدقة لعام كامل. ماساة العودة الى البيت كانت كوابييس و كانت برامج العراك اليومى مرتبة ترتيبا دقيقا .
 و اذ ذاك الحال , كان كل من ينزوي بك جانبا فهو بلا أدنى شك زاج بك في مصارعة تهلك فيه.
في أحد الايام  انزوى بي صاحبى الذي أريد أن أحكى حكايتى معه جانبا و كنت كحال السجين في الافلام العربية أقول (أنا برئ).
لكنه باغتني قائلاً :  أريدك أن تكتب لي أغنية!
 قصيدة عن الحب  و بالرطانة و و ألح في أن أسلمها له خلال اليوم.
كان يتكلم بهدوء شديد و توهان حتى يخيل اليك انه سيفقد تماسكه و يسقط على الارض.
كنت في حالة ذهول و أنا أعتذر اليه بأننى لا أعرف كتابة الشعر لا بالعربية و لا بالنوبية .
قال أنه أختارنى لكتابة القصيدة لانى أشارك الاستاذ في الحصص و لانى على قدر من (الشطارة) حسب رأيه.
و رغم (شتارة) الموقف كان مصرا على أن أكتب له القصيدة بأسرع وقت و أنا خالي الذهن عما يمكن أن أكتبه.
و ازاء تمسكي بعدم المعرفة بكتابة الشعر, انفجر صاحبي في بكاء يدمى القلب.
و قال بحسرة , انت ما حبيت قبل كده ؟
كانت المرة الاولى في حياتى مشاهدة رجل يبكى لمثل هذا السبب.
رأيت بكاء الرجال عند موت الاحبة و رأيت بكاء تأسس في المدارس من جلد كان يلازمنا لاسباب دائما كانت واهية و غير مقنعة.
لا أذكر كم من الناس تجمعوا حولنا , حيث أنى كنت  في حالة ذهول . و لاول مرة تحولت لبطل .
أمامى من يبكى دون أن يضربنى و لا أضربه بضربة قاضية بل يستجدينى لاكتب الشعر.
و تماما كما يحدث في حالات حوادث العربات يجتمع الناس حولكم قائلين (باركوها يا جماعة الخير).
كل من تجمع حولنا  أخذوا يترجوننى أن اكتب شعرا لهذا المكلوم.
حين عودتى للمنزل , كان كل انشغالي أن أسمع الغناء , فأصبحت أترصد كل من يدندن بأغنية و أسمع و أسأل حتى جمعت كثيرا من الكلمات و الوصف.
  حينما قرأت لاحد الكتاب الكبار بأن أسوء وصف للشعر هو (الكلام الموزون المقفى), اذكر حادثة  زجي في كتابة الشعر عنوة , فأشعر كأنه كان يقصدنى.
كتبت كلاما ,راعيت فيه بأن يكون مقفيا و لاول مرة أستعمل السرقات , سرقت معانى كثيرة لاغنية مشهورة و رصصت الكلمات حتى تبدو شعرا.
حتى اذا كان عصر نفس اليوم جاءنى صاحبي الولهان في منزلنا و طلب منى  تسليمه القصيدة. سلمتها له بعد أن قرأتها له عدة مرات.
كان سعيدا جدا بها و صارحنى أنه سيلحنها و يغنيها في حفلة عرس في نفس الليلة.
مسكين صاحبي هذا , شرب كثيرا ليحصل على الشجاعة التى تجعله يغنى لمحبوبته .
الشعور بالحب الحقيقى يوجد في وجدانه و لكنه كان يحاول الغناء بكلام كالكلمات المتقاطعة تجمعت من هنا و هناك.
لم يغن بها و لا بغيرها لانه لم يملك شجاعة لا للغناء و لا للافصاح.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)

صخرة النبي موسى عليه السلام