رحيل الاستاذ محمد ادريس
حينما كنا في دنقلا
الثانوية كلنا كنا نحب الاستاذ محمد ادريس استاذ الرياضيات و الذي لا يمكن أن تستمتع
بحضور دروسه الا في الصف الثالث.
ظللنا نحلم باليوم
الذى سنصل الصف الثالث حتى يتاح لنا مشاهدة الاستاذ الكبير محمد ادريس و هو يدرس المادة
المحبوبة.
كنا نسمع تواتر حديث
دار بينه و بين أحد اقربائه و الذى ألح عليه أستاذ محمد ادريس باللتحاق بتخصص
الرياضيات و قريبه يدفعه الهوى للاحياء.
و حتى لا يشعره بالحرج
حضر صاحبنا هذا أول درس في الرياضيات . كانت المادة الاولى التى يدرسها الاستاذ هى
مادة المقذوفات و التى عن طريق معادلاتها يتم ارسال الصواريخ.
قبل الانتهاء من
المسافة التى يقطعها المقذوف , دق الجرس ايذانا بانتهاء الدرس و الذى توقف للحصة
القادمة.
صاحبنا في الحصة
القادمة لم يكن متشوقا لمعرفة المسافة التى قطعها المقذوف بقدر تشوقه الى ماذا
يدرس المتخصصون في الاحياء. حينما راه الاستاذ سليمان دعاه للدخول فحضر مادة
الاحياء و الدرس الذي كان مخصصا عن التكاثر و ما أدراك ما في منحيات و طيات التكاثر.
أنسجم صاحبنا في مادة
الاحياء و نسى الرياضيات و التى كانت تقام في نفس التوقيت.
بعد الخروج من حصة
الاحياء وجد صاحبنا استاذ محمد ادريس قبالته و الذي بادره بقلق عن سبب عدم حضورة لدرس
اليوم.
صاحبنا رد بحزن و
رجاء (يا أستاذ , استاذ سليمان يدرس عن أشياء مثيرة في حين أن الحجر الذي قذفتموه بالامس لم يلامس
وجه الارض حتى الان).
هنا أدرك استاذ محمد
ادريس عن قصده و شجعه لمتابعة مادة الاحياء مع استاذ سليمان.
حبه للرياضيات انتقل
الينا بسرعة حتى اننا كنا حينما نمل مذاكرة المواد الاخرى كنا نروح عن أنفسنا بالرياضيات لاراحتها من زخم المواد الاخرى.
كان يشجعنا لحب
الرياضيات و يوصينا دائما بها لانها تعف النفس و لا تجعلها دنئية.
كان يضيف و صية أخرى بحسرة
و بصوت خفيض , أوصيكم بالاستاذ ,الاستاذ
يحتاج لدعم حتى يواصل مسيرته المقدسة.
حينما يوصينا بهذا كنت أشعر به كأنما يدمع و
ربما أكثر من الدمع...من الألم ما ينزف القلب.
اخر يوم قبل الامتحان
النهائى جمعنا في الفصل , كان ودوداً جداً, قال أنه فخور بنا و أنه ربما لا نلتقى
بعد هذا الزمن و كرر و صيته بأن نهتم بالاستاذ حينما نصل الى موقع يمكننا من فعل ذلك.
ثم توجه نحو السبورة
قائلا : اذا لم يتغير الاستاذ الذى يضع امتحان الرياضيات فلن يخرج امتحانكم من هذا الاطار
ثم شرع يكتب اسئلة.
سبحان الله , الامتحان
الذى توقعه احتوى على خمسة اسئلة , منها ثلاثة اسئلة كانت بالنص في الامتحان الرئيسي.
بعد أداء صلاة الصبح قبل أكثر من شهر
عاد الى المنزل بعد الصلاة
, ثم خرج لشراء بعض الاغراض و هو عائد الى المنزل صدمته (رقشة) يقودها صبي يافع.
سقط بكل قوته الى الارض , حينما استعاد وعيه نظر للصبى سائق الرقشه برفق و قال له:
يا ولدى أمشى قبلما ناس الحركة يلموا فيك و يعملوا ليك قضية.
الصبي لم يلوذ بالفرار
, هنا تماسك الاستاذ محمد ادريس و قام بنفض ما علق بملابسه من تراب.استقام واقفا و
أكد للصبي انا بخير و قال له قد سامحتك يا بنى , اذهب لعملك فأهلك يحتاجون الى
عملك.
الصبى رفض أن يتركه
بل ذهب معه المستشفى لعمل أشعة مقطعية . بعد عمل الاشعة كانت التقارير تشير الى
ألا نزيف بالمخ و أن الوضع غير مقلق.
كان همه الا يزج
بالصبي سائق الرقشة في مشاكل , ناداه و أكد له بأنه بخير و طلب منه الذهاب للعمل ,
بل أشهد من معه بعفوه التام عنه و طلب
الا يلاحقه أحد.
بعد العودة الى البيت , شعرتْ زوجته بأنه ليس على ما يرام و بذا تم نقله للمستشفى.
بعد العودة الى البيت , شعرتْ زوجته بأنه ليس على ما يرام و بذا تم نقله للمستشفى.
لم يصل المستشفى ,
قال لمرافقه ساعدنى في أتمام الشهادة (أشهد ألا لا اله الا الله و أشهد أن محمداً
عبده و رسوله).
و فاضت روحه الطاهرة
الى بارئها.
هكذا كان استاذنا و
حبيبنا , كان ضيفا في الدنيا لا يريد فيها أن يسبب ألما لاحد.
أما الحزن ,عندى
فحزنان , حزن لفرافقه و حزن على عدم سماع الخبر الاليم الا اليوم.
رحمك الله بقدر حرصك
على عفو من ضربك.الى جنة الخلد مع الصديقين و الابرار و اراك بما فعلت باذن الله
أهل لها لان جزاء الاحسان هو الاحسان بعينه و من كان اخر كلامه شهادة الا اله الا
الله دخل الجنة.
تعليقات