مزاعم وأكاذيب حول الخرطوم بقلم السر قدور

قبل سنوات كتب أحد الزملاء مقالا صحفيا قال فيه إن اسم الخرطوم مأخوذ من لهجة ( الشلك ) وهذا الزميل مثل كثيرين غيره من الذين أيدوا الحركة الشعبية باعتبار إنها ستساعد على إسقاط الحكومة وان سلاحها سيكون سلاح المعارضة .. وللأسف فإن هذا الفهم وجد طريقه إلى العقول منذ سنوات التمرد الأول ( الانانيا ) وقد انتشر بصورة واسعة أيام حكومة الفريق عبود ، وهذا التأييد للتمرد كان لابد له من أقوال وحجج داعمة وكان غريبا أن تخرج الحجج من أعرق دور العلم السودانية وهي جامعة الخرطوم ، فخلال ندوات المعارضة لسياسات حكومة عبود التي أقيمت في الجامعة ترددت أقاويل لا سند لها من الواقع أو التاريخ وأخطرها ( إن أبناء الجنوب هم أهل السودان الأصليون ومن الظلم هضم حقوقهم ) وهذا الزعم الكاذب الذي رددناه نحن لإغراض سياسية صدقه قادة الجنوب ونقلوا هذا الفهم لمجموعات أمية غارقة في الجهل حتى أصبح عندها بمثابة الحقيقة التي لا تقبل الجدل .
وفي هذا السياق تم نسج الكثير من الأباطيل والأكاذيب ومنها إن الخرطوم كانت إحدى مناطق قبيلة الشلك وان اسمها شلكاوي ، بل هناك من قال إن الشلك كانوا يسكنون جزيرة توتي !! كل هذا التلفيق جرى في ميدان الصراع السياسي ولا صلة له بتاريخ السودان الذي استمرت هجرات القبائل الإفريقية إليه من القرن السادس عشر وحتى بداية القرن الماضي .
أما حكاية صلة اسم ( الخرطوم ) بلهجة الشلك فهي كذبة سياسية لا شأن لها بالتاريخ الذي يثبت بالوثائق المصرية والعثمانية والبريطانية إن المصريين هم الذين أطلقوا هذا الاسم على المدينة عند تأسيسها في بداية العقد الثالث من القرن التاسع عشر وأسموها ( خرطوم توتي ) والاسم نفسه تم إطلاقه في عهود قديمة على العديد من الأماكن في مصر وهو عادة يطلق على المكان الذي ينقسم فيه نهر النيل إلى فرعين .. وفي كتاب يوميات الجبرتي المؤرخ المصري المعروف جاء في واحدة من اليوميات وبالنص ( وفي نهار هذا اليوم نزل الوالي من القلعة لقضاء يوم الجمعة في ( خرطوم ) المنيل ) ويعني ركن جزيرة المنيل حيث أقيم بعد ذلك فندق المريديان المعروف بالقاهرة .
ولم يتوقف الأمر عند تسمية المدينة فقط بل امتد إلى توصيف الجهات أيضا فهي تأسست كمدينة واحدة يقسمها النيل الأزرق إلى نصفين وقد أطلق المصريون على القسم الذي يقع شمال النيل الأزرق اسم ( الخرطوم بحري ) والذي يقع إلى جنوب النيل اسم الخرطوم ( قبلي ) وعند دخول السكك حديد إلى السودان جرى إطلاق التسميات على محطتي السكة حديد فكانت اللافتات تحمل اسم الخرطوم بحري والخرطوم قبلي ولعل اللافتات مازالت موجودة في مخازن السكة حديد .. والتعريف المصري يطلق اسم ( قبلي ) على الجنوب و( بحري ) على الشمال وعندنا في السودان نقول السافل إشارة إلى الشمال والصعيد إشارة إلى الجنوب .
ومما سبق يتضح إن لا صلة بلهجة الشلك باسم الخرطوم ولم يكن لهم أو لقبائل الجنوب في أي فترة من فترات التاريخ أي وجود في شمال السودان .. ولكنها أكاذيب وتلفيقات روجناها نحن لأسباب سياسية وقتية .. وها نحن ندفع ثمنها الآن وسنظل ندفعه لفترات زمنية قادمة .. وكما قال الشاعر :
( وما يبلغ العالم من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه).


الراي العام

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)

صخرة النبي موسى عليه السلام