عاشوراء في قريتنا



     ما أن يأتي مساء (اشورا ),حتى  تتحول القرية  الى ليلة عيد.

العرسان الجدد الذين لم يمضي على زواجهم ظهور القمر (اوون) من قبل , (الاطفال 

الطهور) 

, النفساء و لو مضى عليها ولادتها ساعات , كلهم يقصدون نهر النيل العظيم مع 

حلول أول المساء من المغرب , و هناك من يستعجل قبل الغروب فيكون على شاطئ 

النيل منتظراً حلول المساء.

الارز باللبن مع البلح من مستلزماتهم , لا أذكر أن  كانوا يبدأون باعطاء النيل بعضاً 

منه في البدء. بعض الاغاني و الترانيم و الدعوات بقلوب خاشعة.

كانوا يناجون النيل كأنهم يناجون الله و يكثرون من الدعاء.

كل الدعاء كان باللغة النوبية و لو اختلط ببعض الكلمات العربية  فيكون من ضمن 

ضعف اللغة النوبية  مؤخراً و ما أصابها من وهن لظروف الحروب المتتالية عليهم.

تارة الروم و الذين أقتنعوا بعد جولات أن هؤلاء القوم يجب أن يجعلوا لهم حدودا حتى 

لا يزهقوا أرواح  جيشهم.

  أما الصبيان فكانوا يبدأون تجهيزات (أشورا) من قبل  يوم أو أكثر.

الحصول على (ألس) من (حبال ساقية) , كان يحتاج الى ترتيب و تقطيع الى أطوال مناسبة.

   أما الفتيات و ربما النساء عموماً , فكان مساء (أشور) يمثل لهنّ خوفاً و ذعراً.

كل الحبال التي قطعت بعناية و ارخيت أطرافها لطول مناسب لزوم سهولة الاشتعال.

منذ أول لحظات المساء تكون هذه الحبال مشتعلة في أيدي الصبيان الذين يتحولون الى 

(عصابات) لا تعرف الرحمة فيضربون بها الفتيات ضرباً مبرحاً.

لذا  كان المساء يفرز من منهم قد تعقل عن العام الماضي و من منهم ما زال طفلاً  لا  

يجد متعته الا في  الضرب.لان الذين كبروا قليلاً و تعقل يكون قد خطط لان يوفر 

الحماية لاخواته أو من يحب.

لذا كانت الفتيات و النساء لا يتحركن الا في مواكب يحرسها الرجال.

و يا ويل القادمات الجديدات للقرية من المدن و لا يعرفن هذه التقاليد , فكنّ يحظينّ 

بنصيب وافر من الضرب و ربما يكون اللهيب المتصاعد من (الالس) قد يشوي بعض 

الوجه الناعمة.

و رغم كل هذا العنف , لم يكن أجد من الاباء من يمنع الاطفال من هذا  السلوك مما 

يدل أن هذه عادة متوارثة من أجيال و أجيال.

في بعض القرى النوبية , كان البعض يحتفل ب (أشورا) بايقاد  قطعة قماش ينصب 

على الاشبرو, (العشبروق), و يدفعون به داخل نهر النيل.

و هذا الدفع (بالاشبرو) , و الذي يشبه القارب الى داخل النيل أنّما يعزز أن منطقة

 النوبة ملتقى أديان.

فهذا (الاشبرو) المضئ  يمثل قارب نجاة لسيدنا موسى عليه السلام و الذي قذف في 

التابوت و من بعده قذف في اليم (النيل).


و هذا الجزء من قارب النجاة هو المحك الحقيقى لاحتفال عاشوراء. و لان هذا اليوم 

هو اليوم الذي  نجى الله فيه الله سيدنا موسى عليه السلام و أهللك فيه فرعون اللعين.

و ربما القارب المدفوع للنيل يكون  تيمنا لنجاته من الغرق حينما تخوف أصحاب سيدنا 

موسى عليه السلام من اتباع فرعون لهم  و قرب جيشه منهم

  فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ( 61 ) قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ( 62 ) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ( 63 ).

و هذا الاحتمال أقرب كمناسبة للاحتفال لان الحدث أقرب لواقع الاحتفال الذي يجري 

بدفع القارب لداخل النيل و الله أعلم.

أما ضرب الصبيان للفتيات بـ (الألس الملتهب) , ربما هي عادة شيعية كما يفعلونه في  

يوم كربلاء , اذا أخذنا في الاعتبار أن الفاطميين أدخلوا الكثير من الافكار الشيعية في 

المنطقة كلها و الله أعلم.

أو  , ربما كانت حيلة من المتشدديين لمنع ممارسة الطقوس الفرعونية , اللهم أعلم.

لذا كانت ليلة نصف شعبان , عاشوراء , ليلة الاسراء و المعراج من الايام التي لا تمر

 في قريتنا دون أن يذبحوا فيها.


    الكبار من الرجال و النساء كانوا يصومون هذا اليوم .


و قد أدرك ال (البصيرى) أهمية هذه الليالي فكانوا يطوفون في القرية بعجل سمين

عرضاً لاعلام  الناس بأن العجل جاهز للذبح .  



ملحوظة :
لذا أتمنى أن تكون من المحظوظين الذين يصومون يوم عاشوراء ليغفر لك لله عاما

و تقبل الله منا و منكم صالح الاعمال.




تعليقات

‏قال Farkawy
شكرا لك يا باش مهندس وانت توثق لتك العادات الجميلة باسلوبك السهل الممتنع. عادة ايقاد النار فى عاشوراء وجدتها ايضا متاصلة فى المغرب حيث يوقد الصبية النار فى الشوارع والساحات العمومية ويرقصون حولها على انغام الطبول الشعبية والتى يطلقون عليها اسم التعريجة. اما فى نهار عاشوراء فعندهم عادة رش الماء على المارة فى الشوارع وعادة ما تقوم الشابات بهذا، اعتقادا منهم بانه يجلب الزوج الصالح ولن تنجو من سيل المياه فى ذلك اليوم الا بالمكوث فى البيت واتقاء شر الفتيات الباحثات على الستر والغطا وضل راجل احسن من ضل حيطة.
‏قال ما تيسر
يا فتحي
انت
رائع
تتحفنا بمداخالات في غاية الاهمية
لكم كل الود

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)