بلا حكومة بلا لمة بقلم عبد اللطيف البونى , جريدة السودانى
قذف به الجفاف والتصحر من بادية شمال كردفان الى غرب أم درمان وأخذ يعمل أعمالا (مجهجة) على حد قوله مثل بقية النازحين معه ولكنه لحظ أن أهله يرفضون تعاطي الألبان الموجودة في أم درمان لأنها ألبان أبقار وغنم وهم قوم أبالة فرجع الى باديته واصطحب معه ما تبقى له من إبل وجاء بها الى غرب أم درمان وأخذ يبيع ألبانها لرهطه ولكنه سرعان ما جاءه زبائن من المدينة يطلبون لبن الإبل للعلاج من عدة أمراض منها السكري ثم جاءه من يطلب أو بالأحرى تطلب بول الإبل لأنه علاج من السرطان وكما تستعملها البنات لتطويل وتغيير طبيعة الشعر ثم جاءه من يطلب روث الإبل لعلاج أمراض جلدية ثم جاءه من يطلب لبن الإبل كحمية.
تزاحمت على أبواب زريبته العربات الفخمة والنساء الجميلات وتجار(شبعانين) فرجع الى باديته واستجلب المزيد من الإبل وبأسعار مرتفعه وأخذ يبيع ما أصابه العجز من إبله وبأثمان مرتفعة لزوم اللحم الخالي من الكروستول والكبدة غير المطهية (سوق الناقة). الحال هكذا دخل في هذه الحرفة أناس آخرون ومن أهل المدينة فانتشرت حظائر الإبل حول العاصمة المثلثة ثم انتشرت أماكن بيع لبن الإبل في العاصمة لا بل بقية منتجاتها الأخرى من بول ووبر وروث ودم هو الآخر أصبح له مروجون ناهيك عن اللحم والكبد.
انعكس ذلك النشاط الذي بدأ محدودا على جميع الذين يرعون الإبل في كافة أرجاء السودان إذ ارتفع سعر الجمل (النادر) الواحد ووصل الآن أكثر من عشرة آلاف جنيه أي عشرة ملايين بالقديم هذا إذا علمنا أن السودان به على الأقل أربعة ملايين رأس من الإبل ويأتي في المرتبة الثانية عالميا بعد الصومال وعدد الأبالة في السودان لا يقلون عن مليون ونصف نسمة فكل هذا القطيع وكل هؤلاء البشر بدأت الآن حياتهم تتغير ولكن ببطء بفضل المبادرة التي قام بها ذلك الرجل الذي اقتلعه الجفاف من ريفه وقذف به الى أم درمان.
في السودان الآن صناعة دواجن حديثة وبه آبقار مهجنة وحظائر آبقار محدثة وآغنام سعانين لزوم زيادة العائد من الآلبان فالسودان يستورد ألبانا بما قيمته ثلاثمائة مليون دولار سنويا ولكن الإبل ظلت كما هي نفس الإبل الموجودة في السودان منذ آلاف السنين كذلك الذي يرعاها ولكن الاستهلاك العاصمي لمنتجات الإبل هو الذي سوف يغير أحوال رعاة الإبل ويحملهم حملا دون قسر من الاقتصاد الكفائي ويدخلهم في دورة الاقتصاد الحديث. بعبارة أخرى عندما تتوسع المجتمعات الحديثة في العاصمة وغيرها من مدن وأرياف السودان في استهلاك منتجات الإبل (طبعا هي منتجات مفيدة جدا) سوف ترتفع أسعار الإبل في أماكن تربيتها وسوف تدر دخلا كبير لرعاتها وسوف يصبحون من أصحاب الملايين وبالتالي سوف يستقرون ويتركون حياة الترحال. سوف يحفرون الآبار والحفائر سوف يقيمون المنازل الثابتة ثم ينشئون الأسواق والمدارس وقد يظهر مستثمر عندهم ليصنع منتجات الإبل لزوم التصدير وهكذا يكون مجتمعا كاملا قد تغير وبفضل الاستهلاك فقط دون جهد من أي جهة أو كواريك فيا دولة السودان دعي حظائر الإبل حول المدينة تنمو ثم ياناس الصمغ العربي (د. عبدالماجد) يمكنكم أن تفعلوا نفس الشئ للجنانة (الذين يطقون الصمغ) إذا أدخلتم إنتاجكم البقالات والمطابخ والتكلة وهذه مفردها تكل بضم التاء ولكن لن تفعلوا لأنكم...
تعليقات