ماساة من أم الماسي , نقلاً من اخر لحظة
05-07-2012 06:47 AM
تحقيق: نعيمة بيلو:ليلة الدخلة..!!
سامية فتاة في الثالث والعشرين من عمرها، خطبت لابن عمها حسب عاداتنا وتقاليدنا السودانية التي تلزمنا أن «ود العم لبت العم».. العريس يعاني مرضاً نفسياً، بعد ضغوطات عالية من قبل والدها حدث الزواج.. تأخرت ليلة الدخلة نسبة لمرض زوجها.. قالت في سرها «جاني الحلل».. استغلت سامية فرصة مرض الزوج، تقدمت بشكوى للمحكمة، فحواها أن هذا الشخص يعاني من مرض نفسي، جاء حكم المحكمة لصالحها وحُكم لها بالطلاق.. مايؤرق سامية في ذلك الوقت ليس الزواج ضد رغبتها أو مرض زوجها أو تأخير ليلة الدخلة، بل كانت تعيش حالة من الصراع الداخلي، حينما بلغت المرحلة الانتقالية من جسم الطفلة الى جسم المرأة، بدأت تظهر لديها علامات مخالفة لجنسها كإنثى وديعة ناعمة.. استفحل الأمر عندما بدأت الفتيات يتحدثن عن التغيير الجسمي والسيكولوجي، بظهور علامات البلوغ، مثل بروز النهدين والدورة الشهرية.. أم هي بدلاً عن ذلك بدأت علامات الذكورة تداهم الصبية الجميلة.. تحتلم ليلاً بأنها فتي يضاجع فتاته.. كل ذلك يمكن اخفاؤه ..إلا أن الصوت الخشن، وبروز شعر اللحية جعلا خطب سامية أعظم.. وقفت حائرة وسط زميلاتها.. انتقت أقرب صديقاتها وهمست لها بالسر.. الصديقة الصغيرة لم يكن لها من نصيحة إلا الاستغراب.
انثى تعشق انثى ..!!
الى هنا تصمت سامية، بعد أن أيقنت أنها رجل كامل.. الى تلك اللحظة لم تتأكد سامية الى أي جنس تنتمي.. شعورها أنها رجل.. لكن المجتمع مصر على إلباسها الطرحة.. ارتفعت نسبة الصراع الداخلي.. الدنيا الواسعة تضيق.. لا أحد في القرية بوسعه تقديم المساعدة..
طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.. مفاجأة غير متوقعة.. سامي يعشق إحدى زميلاته.. لم يكن بمقدوره البوح.. كيف لأنثى أن تحب أنثى وتتمنى الزواج منها.
زواج مأذونه الطبيب..!!
. المصائب لا تأتي فرادى.. شاب من القرية يتقدم لخطبة سامي«عفواً سامية»-رجل يتقدم لخطبة رجل آخر مثله- لم يكن بوسع سامية إلا أن تصارح أسرتها.. فاتح الأب بالقصة الكاملة.. لم يجد غير الدموع ووصية أن ترضى بواقعها كأنثى.. مضت سامية الى الرجل الذي خطبها.. أخبرته أنه جاء الى العنوان الخطأ ..أوضحت له أنها رجل مثله تماماً.. كانت صدمة للرجل الذي أراد سامية زوجة على سنة الله ورسوله.. آثر الصمت.. هنا الكلمات لا تعبر عن الدواخل.. العريس اقترح اللجوء الى الطبيب.. الآن الطبيب تحول الى مأذون.. وربما قاضي.. بيده وحده إصدار حكم إعدام سامية.. كانت لحظات مقابلة الطبيب أصعب لحظة في حياة سامية.. القلب يخفق بشدة.. من حسن الحظ أن الطبيب كان رحيماً.. أكد الطبيب وجود جهازين تناسليين لسامية..الدموع تنطلق.. سامي يجد نصف الحل..لا أحد يجزم أنه أنثى، ولكنه يبحث عن رجولته التائهة.
أصل الحكاية..!!
في يوم الميلاد توقفت الداية البلدية قليلاً.. تمعنت جهاز الطفل القادم للحياة، لتمنحه هوية جندرية.. ترددت قليلاً ثم أخبرت الأسرة أنها رزقت بطفلة جديدة.. لأغراض هذا التحقيق اخترنا اسم «سامي وسامية» حتى نحفظ لهذه الشخصية الحقيقية خصوصيتها.. ذات الاضطراب حدث يوم الختان..الداية الثانية وبناء على قرار الداية الأولي تعاملت مع الحالة باعتبارها أنثى.. قطع القضيب باعتباره البظر الانثوي.. الداية دفنت فعلتها بين احشاء الطفلة، وأحكمت خياطة البضاعة.
في ملعب الطفولة..!!
سامية ذات العشرة أعوام، حلمها مثل كل طفلة في عمرها ممارسة اللعب.. الأهل لاحظوا أن طفلتهم تميل الى الألعاب الخشنة.. تعشق الألعاب الذكورية مثل مجسمات الشاحنات البلاستيكية، أو تنجذب لإمساك سيف أو مسدس بلاستيكي لمحاكاة دور المقاتل.. أمنيتها اقتناء دراجة بخارية.. تارة أخرى ترتدي لباس الفتيات تتعامل على أساس أنها بنت.. ثم ينقلب الإحساس الى نقيضه وتشعر أنها رجل في جلباب أمرأة .
رحلة البحث عن سامي..!!
الوصول الى سامي لم يكن أمراً سهلاً.. مثل هذه الحالات يُحكم غطاؤها.. بعض الناس يفضل أن يعيش الصراع بدلاً من مصارحة الناس أو البحث عن علاج.. اقناع سامي بالحديث ورواية تجربته لم يكن أمراً يسيراً.. أما التقاط صورة، فقد كان ذلك المستحيل بعينه.. البروفيسور عماد فضل المولى الطبيب المعالج، بذل جهداًَ كبيراً لييسر لي أمر التواصل مع سامي.. هذه المرة الأولى التي التقي سامي.. شاب طويل القامة مفتول العضلات.. ضخم الصدر، وسيم الطلعة.. بدأ يسرد حكايته في دروب العلاج.. طرق سامي الأبواب باباً باباً بلا إجابة، الى أن توصل لطبيب معروف في ولايته، وله علم بهذا النوع من الأمراض.. الطبيب نصحه بالذهاب الى جمعية «التنميط النوعي» وبالفعل ذهب يوم51/7/7002م، عمر سامي في ذلك الوقت (32) عاماً.. من خلال علاج معقد تخلص الشاب من أعباء سامية.. سامي الآن يبلغ من العمر (72) سنة.
العودة الى العشيرة..!!
كان سامي قلقاً من ردة فعل أهل القرية.. آخر عهدهم به كان أنثى تبحث عن زوج.. استقبال الأهل والأقارب لابنهم المولود من جديد كان فوق التصور.. نحروا الذبائح وأقاموا احتفالاً كبيراً.. كان فرحة «أبو سامي» فوق الوصف.. سيطر عليه إحساس بأنه رُزق بمولود جديد.. الترحاب ساعد سامي على تجاوز المطبات النفسية.. وصف رحلته مع الازدواجية بـ«مرارت السجن الطويل».
زوجة واحدة لا تكفي ..!!
بعد أن تحول الى رجل تزوج سامي من امرأة تكبره قليلاً.. كان يخشى من شبح الماضي، فتزوج من أول أنثى تقابله.. الفحولة الزائدة تحتاج الى امرأة أخرى.. اختار قبل أسابيع ابنة عمه التي عايشت معه أيام الماضي المعقدة.. وهما الآن يقضيان «شهر العسل» في الخرطوم.. رغم الصعوبات التي واجهها سامي في حياته، إلا أنه يؤكد أنه يؤدي مهامه كزوج على ما يرام، ولا يعاني من اي اضطرابات في فراش الزوجية.. سامي «ينتظر القسمة والنصيب ويحلم بانجاب أطفال حلوين».
في غرفة العملية
مغامرة صحفية غير مضمونة العواقب خضتها في سبيل كتابة هذا التحقيق.. توغلت في الإدارات المختلفة والمسشفيات، ومقابلات الحالات المختلفة.. بعض المعلومات المتناثرة التي تبرع بها لي ثلة من الأطباء، جعلتني أحزم أوراقي و أشدد على قلمي، واذهب من مستشفى الى أخرى، و من إدارة إلى أخرى، أسأل بلا إجابات.. وأخيراً سمعت من ينطق اسم بروفيسور عماد محمد فضل المولى رئيس المجموعة السودانية «للتنميط النوعى»..أخيراً وجدت ضوءاً في آخر النفق.. دكتور عماد من ضمن الطاقم الذي أجرى لسامي عملية التصحيح.
ذهبت إليه فسألته عن كيفية تحول سامي الى سامية.. شرح لي الأمر عبر جهاز «لاب توب..» شعرت كأنما كنت مع الفريق الطبي في غرقة العمليات.. شرح لي بعض العمليات من ضمنها العملية التي أجريت لسامي.. عن سامي يقول البروف: إن سامي لديه جهازين تناسلين وخصيتين عالقتين، ومهبلاً مغلقاً مع عدم وجود رحم.. هذه الأشياء تدل على رجولته.. بروف عماد شرح مهمتهم المعقدة كفريق طبي..إذ قاموا بإجراء أربع عمليات أولها استئصال المهبل و ترميم القضيب، بإضافة بشرة جلدية، ثم بعد ذلك بناء مجرى بول، بجانب إنزال الخصيتين المعلقتين.. بعد عمل الموجات الصوتية تأكدنا من وجود قاعدة يمكن عليها بناء العضو الذكري، بعد أن قامت من أجرت الختان ببتره.. وأضاف بروفيسور عماد فضل المولي أن هذه العمليات استغرقت ما بين خمس الى ست ساعات.. بعدها خضع سامي الى علاج نفسي قبل وبعد العملية، بجانب عمليات تثقيفية في العمليات الجنسية، باعتبار أنه كان في السابق أنثى، بالتالي يحتاج الى جرعات تدريبية تعينه على القيام بمهام الرجال.
عن التخنيث أحكي ليكم..!!
بروفيسور فضل المولي يقول «التنميط النوعى» مرض يحدث نتيجة خلل فى الجينات المسئولة عن تكوين الأعضاء الجنسية الداخلية والخارجية.. الأمر الذي يؤدي الى خلل في نموء هذه الآعضاء، وذلك لتأثيرة على توازن الهرمونات الذكورية، والانثوية ويحدث هذا الخلل أثناء نموء الجنين داخل الرحم، هذا الخلل في الجينات والهرمونات يؤدي الى ولادة طفل مختل النمط، أو ما يعرف «بالخنثى».
بروفيسور عماد أضاف أن مرض إختلال النوع من الأمراض الأكثر تعقيداً، إذ يتطلب التشخيص قدراً عالياً من التخصيص والامكانات.. وأضاف أن العلاج المثالي يتطلب وجود تخصصات مختلفة، بعضها طبي مثل اختصاصات الغدد الصماء، جراحة الأطفال، الطب النفسي، الجينات السريرية، طب الأطفال، الطب الباطني، النساء والتوليد، جراحة المسالك البولية، علم الأمراض، الأحياء الجزيئية، وجراحة المناظير، ليس هذا فحسب، بل إن التعامل الجيد يتطلب تدخلاً ومساعدة من تخصصات غير طبية، مثل علم النفس، القانون والشريعة، والباحثين الاجتماعيين.. بروفيسور فضل المولى.. أوضح أهمية التداخلات الصحية والاجتماعية والقانونية والدينية، حتى لا يتعرض المريض الى أي نكسة نفسية.. عن تكلفة العلاج يقول بروف فضل المولى إن هذا المرض يحتاج الى كل التخصصات السابقة.. الأمر الذي يزيد من كلفة العلاج، يقسم دكتور فضل المولى العمليات الى ثلاث أنواع، النوع الأول والثاني عمليات صغيرة ومتوسطة، وهى النوع الغالب، ولكن النوع الثالث وهو النوع الكبير، وتتم فيه إعادة تشكيل الأعضاء التناسلية، ويتم الأمر بسلسلة من العمليات تتراوح بين 4 الى 6 عمليات.. مشكلة الختان الخطأ تعقد من المرض في الغالب، مثل أن يكون المريض ذكراً صنف خطأ كأنثى، وفى جميع الحالات خضع المريض الى ختان الإناث عندما كان صغيراً.
ميلاد جمعية..!!
لكل هذه الأسباب تداعت مجموعة من الأطباء، وعلماء علم النفس، ورجالات القانون، وعلماء الدين، لتكوين المجموعة السودانية للتنميط النوعى كمنظمة طوعية غير حكومية غير ربحية..المنظمة تم إنشاؤها في العام 2005م
الجمعية تتفتح أبوابها لمساعدة المرضى، وتؤكدأن إمكانية العلاج متوفرة بالسودان، وهناك مختصصون سودانيون يستطيعون التعامل بكفاءة عالية مع جميع أنواع خلل التنميط النوعي.
التفكير في الموت كمخرج.!!
«الشعور بالعيب» هكذا بدأ معنا عبد الرحمن أبو دومة حديثه.. أبو دومة احتصاصي الأمراض النفسية بالجمعية.. يوضح من أهم الصعوبات التي يواجهها المرضى الشعور بالعيب، ومواجهة المجتمع بالحقيقة.. أبودومة يؤكد أن بعض الحالات حينما تدرك أنها مصابة بمرض «التنميط النوعي» منهم من يفكر في الانتحار.. بل أن بعضهم انتحر، ومنهم من خرج من البيت بلا رجعة ليداري سوءته.. وأردف أخطر حالات هذا المرض، التي تكتشف بعد الزواج، لما في ذلك من تعقيدات نفسية، وشعور بالإحباط وعدم القدرة..ابودومة يقول: هذه الأمراض موجودة، ولكن هناك صعوبة في الوصول إليها، وهو ينصح المرضى بالإجهار المبكر ويقول: «اكتشاف المرض مبكراً يسهل عملية العلاج».
مولانا يدلي برأيه..!!
بروفيسور علاء الدين الزاكي استاذ الشريعة بجامعة الخرطوم والداعية الإسلامي المعروف يدلي برأيه، ويعرِّف «حالة التنميط» النوعي بأنه «الخنثي مشكل» هو الذي لا يخلص لذكر ولا أنثى، أو الذي له ما للرجال والنساء جميعاً، مأخوذ من الخنث وهو اللين والتكسر يقال: خنثت الشيء فتخنث أي: عطفته فتعطف، والاسم الخنث من له آلتا الرجال والنساء، أو من ليس له شيء منهما أصلاً، وله ثقب يخرج منه البول.
شيخ علاء الدين يرى أن حكم «الخنثى المشكل» نوعان:ــ أولاها ما لا يختلف فيه الذكور والإناث ولا حاجة لتخصيصه، مثل وجوب الصلاة والزكاء على كل مسلم ومسلمة.. أما النوع الآخر أحكام تختلف فيها الذكور والإناث، مثل الميراث والشهادة تحتاج فيها لأحكام تخص الخنثى مشكل وإذا ثبث رجلاٍ فيعامل معاملة الرجل أو العكس.. هذه الحالات من الخنثى تعتبر تشوهات خلقية، الأصل في حلق الله أن يكون «ذكراً أو انثي» فإزالة التشوهات لا تعتير تغييراً لخلق الله، ولكن هذا يخضع للتقارير الطبية بعد اعتماد لجنة طبية معتبرة، يكون التصرف الشخصي والحكم الشرعي منسجماً مع الحكم الطبي..
شيخ علاء الدين يبرز التصنيف الشرعي للمرض، من العلامات التي تميز «الخنثى مشكل» فإن كان يبول من عضو الذكر فهو رجل، وإن كان يبول من عضو المؤنث أو ظهر لها ثدي فتعتبر انثى.«بروفيسور علاء الدين يحذر من المثلية الجنسية» وأما الذين يتعاطون الحقن من اجل التشابه بحنس آخر غير جنسهم وليس لديهم تشوهات في الاعضاء التناسلية، هذا تغيير حرام حرام».
عزيزي القاريء كانت تلك رحلة طويلة وشاقة في عالم التنميط النوعي.. اكتشفت فيها عالماً واسعاً من المسكوت عليه.. عسى أن يفتح هذا التحقيق بوابة الأمل أمام بعض المرضى
آخر لحظة
3 | 0 | 3550
تعليقات