حكاوى نوبية , امال عباس

   

حكاية نوبية-صدي-أمال عباس

الطفل الذي بداخلنا، يتمدد فينا الى ماشاء الله من اعمارنا، يتحين الفرص والسوانح والمواقف 
والمناسبات، ويطل بين الفينة والاخرى، ويفرض نفسه بالحاح وإصرار وقوة، ويسوقنا سوقاً الى مراتع الصبا وميلاد الحكاوي والحُجا الجميلة. 



ولعل مشهد الطفولة هذا يبدو صادقاً ومحتشداً بالعاطفة الانسانية الرقيقة وتراجيديا الصراع وتقلبات الزمان عند شاعر البطانة الراحل الصادق ود آمنة عندما وجد ذلك الصبي الذي يرعى ببهائمه في احد اودية البطانة وهو ممسك (بزمبارته) التي تنساب منها أنغام عذبة، عادت بالصادق الى أيام طفولته فقال: زمبارة الوليد زادتني في الغبين
طريت اهلي، طريت جهلي، طريت زمني المسيلي قرين.
طريت جملي، طريت سرجي، طريت شيوم أم زين
تبنت رأسي لقيت عمتني شيباً شين
ولعلنا نساوم هذا الطفل ليشدينا ويشجينا، هروباً من واقع يتشكل يوماً بعد يوم، وتتأزم مسيرة الحياة بعارضات تأتي من خارج سياق الحياة، يصبح التعاطي معها في ظل ضيق الفرص وإنحسار الخيارات وضبابية الرؤية نحو الافق الممتدة الى الغد والمستقبل أمراً صعباً.
وكانت الحاجة (بخيتة ابراهيم) هى من نجد عندها السلوى ونجلس أمامها تحجينا بحكاوي ابطالها ورموزها من البيئة، حكاوي نوبية تسردها بلسان القوم، وكان خيالها خصباً، مع ملكة عالية في السرد والربط بين المحتشدة بالوفاء والايثار والفداء.
وتختزن الذاكرة عدداً مهولاً من تلك القصص التي تأتي دواعيها فتهب من قاع الذاكرة الى دائرة الصحو والتشخيص وسطح التماثل الواقع، فيصبح الحنين الى تلك الايام الخوالي التي كنا فيها كالعصافير أحراراً لا يتعدى إطار المسؤولية وحدود الذات والاماني العذبة في الغد المحمول على كف الغيب.
وكان من ضمن الحكاوي، قصة احتفي واسلي بها نفسي دائماً، حيث قالت الراوية الحاجة بخيتة ان الكديس حج بيت الله وعندما عاد الى منزله اقام وليمة دعا لها كل الفئران، واعلن امامهم انه اصبح حاجاً وتاب من اكل الفئران وطلب منهم الابتهاج ومشاركته الفرح بهذه المناسبة السعيدة بالرقص وتناول الوجبة الدسمة وفوق كل ذلك اعطاهم الامان التام.
إلا ان الشك الموروث والتناقض الفطري جعل الفار العجوز بما له من خبرة طويلة ودراية كافية جعله يقف مخاطباً أبناءه واحفاده في سرية تامة قائلاً :(ان حال الحاج لا تعجبه وان كان لابد من المجاملة والمشاركة فعليكم إدخال اجسادكم في الاحجار والرقص بتحريك الرأس فقط).
ما احلى ايام الصبا والبراءة المسكونة فيها، وما احلى هذا السجال العفوي الذي يأتي عفو خاطر ليعيد التوازن النفسي وسط اجواء مثقلة بالهموم في هذا العالم المضطرب وهذه الدنيا التي (تلد بلا درة).
محمد على عبد الجابر
حلفا الجديدة.
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)