رجل من أهل االشمال بقلم مصطفى سعيد (محمد سليمان)

ايام الستينات مع هجرة النوبيين من جرّاء مياه السد العالي.
أتى قادم من الشمال مجتازاً الحدود المصرية و دخل ارض السودان سيراً على قدميه محازياً للنيل بالضفة الغربية.
يبدو من هيئته أنه من الصعايدة.
كان قد تجاوز الخمسين من عمره.ضخم الجسم لا يقل وزنه عن المائة كيلو جرام. طوله يميل الى القصر.
دائرى الوجه , أحمر اللون كبير الاذنيين و الفم.
شعره ناعم , يشوبه البياض.
وصل الى قريتنا غرب النيل , و طاب له المقام في قريتنا.
و بدأ يتنقل في القرى الغربية.
كان دائماً ما يتجنب أماكن الزحام وو يتجنب أكثر قطع النيل شرقاً.
و اذا ما دعت الضرورة الى ذلك كان يتجنب أن يفعل ذلك أيام الاثنين و الخميس لانهما أيام السوق و  فيها سفريات اللوارى من او الى حلفا.
الكبار كانوا يقولون أن الزمن قد غدر به ,كما غدرت بهم مياه السد. 
و نشات بينهم و بينه الالفة و القبول.
كان حاذق الذكاء, لايفارقه الكتاب و لا المذياع لحظة و احدة.
كان يتكلم الفرنسية و الانجليزية بالاضافة للغته العربية المصرية.
و تعلم لغة النوبة و الى كل ذلك تعلم حياكة الملابس , التجارة , السباكة , الحدادة و النجارة.
 وبالاضافه الى خوفه من تجمع الناس , كان أيضاً يخاف من البحر.
و كذلك لم يشاهد قط  و هو يدخل المسجد , و لم يشاهد يصلى خارجه او داخله, لكن لم يجد هذا استهاجاناً.
 بل تركه الناس على حال دينه الذي هو عليه , مقتنعين بأن الناس أحرار فيما يعتقدون و فى عباداتهم التى يقومون بها.
و كان أكثر شئ يعكر صفوة ذهنه أن يجد نفسه مطارداً من الشرطة  و لكنه كان يتمتع بذكاء لا يجعله مصيدة لهم فكان يراوغهم و لم يحدث قط أن افلحت الشرطة في القبض عليه.
  و لكن هناك من يقول أنه أحتفظ ببعض الصدادقات مع نقاط الشرطة القريبة فأصبحوا يوفدون له من ينبئه بأن المركز قدر أصدر مرسوما للقبض عليه فيهرب بعيداً الى مكان لا تصله الشرطة.
استمر في قريتنا بهذه الحالة حتى الثمانينات.
و خلال أقامته عندنا حاول أن يتزوج من القرية.
و اختار  و سمى من يريد أن يستنكحها.
لكن ازاء تلك الحالة , انقلب صفاء الناس و تقبلهم له الى رفض واضح.
رفضوا أن يزوجوه الارملة التى اختارها .
قوبل طلب الزواج برفض جماعي , معللين الى استحالة تزويج أمراة مسلمة لشخص غير مسلم.؟
عندما استفاق الناس من صدمة ما لحق بهم من دمار بسبب مياه السد .
و تجلى لهم  الواقع الكئيب الذي زجوا فيه عنوة , بدأ الجيل الجديد المولود في بؤس الاغراق و الدمار يسأل عن أصل هذا الغريب و السر الذي يخفيه.
بدأ كل منهم ينقّب بطريقته لسبر غور هذا الغريب الذي مكث بينهم ردحاً من الزمن.
و الكل يريد أن يعرف سبب تجنبه الشرطة و سبب بحثهم له.
و كيف فشلت الشرطة طوال هذه الاعوام أن تقبض عليه.
و ارتفع  الهمس جهراً
  و رويدا ارتفعت الاصوات مزمجرة لمعرفة سره و سبب اختفائه بينهم.

و أين اسرته , زوجته , ابنائه  ,أين أهله و لماذا تركهم و لماذا يصر أن يبقى على غرب الشط دون شرقه.
هو جاسوس ؟, هارب؟ وممن ؟ قاتل ؟
 ما السر الذي يخفيه بين جوانبه.
  والكل يعرف أن ذكاءه يفوق ذكاء كل أهل القرية مجتمعين
فلماذا يدفن ذكاءه فى هذه القرية الفقيرة التى لن تفيده في شئ طموح.
  واحتد اصرار الشباب الجديد لمعرفة كل شئ عنه بكافة السبل تارة بالترغيب و تارة بالترعيب .
  ربما رأوا فيه صورة حكام مصر الذين أغرقوا بلادهم.
ربما ودوا الانتقام من رمز من رموز من أضاع مستقبلهم و مستقبل وجودهم.
ففى ذات صباح استيقظ الناس ليجدوا الغريب قد خرج سراً كما دخلها.
الكبار يعرفون أنه تعلق بحب هذه القرية البسيطة و لم يكن ينوي الخروج منها لولا أن دفعه جيل ضحايا السد دفعاً للخروج.
 لم يزرف لفراقه دمع .
 كما الفوه بسرعة , نسوه أسرع كأنه لم يكن
  من عرف هذا الرجل و أين قضى باقى حياته ؟؟؟.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)