مهرجانات وردي الوطن المهرجان الأوّل 31/05/2012م









     كلمة الافتتاح للجنة العليا لمهرجانات وردي الوطن
                     صلاح محجوب


الحمد لله الذي جعل ما لا أذنٌ سمعت نعمة من نِعمِ الجنّة، ونصلي ونسلمُ على من اجتمعت القلوبُ على حبّه أنّى ما وُجِدت وأينَ، سيّدِنا محمّدٍ المبعوثِ رحمة للعالمين وعلى آله وصحابته أجمعين.
السادة ضيوفـَنا الكِرام،
السلام عليكم ورحمة الله الكريم المنّان.

عطّر سماواتِ الوطن، بإرث سيبقى ما بقِى الزمن، ألهبَ المشاعر من فيضِ كلِّ شاعر، وتغنـّى وتمنـّى للوطن. مخــرَ من بحرِ الفنِّ عُبَابَه، دون أن تبتـلّ في يده الرَّبابة. ربابةُ الغلابة، زفّ كلّ محبٍّ لمُحبِّه، وأحرق في محرابِ الوطنِ الكبيرِ قلبَه، زفراتٌ حرّى وأهاتٌ راقصة، وملاحمُ كُبرى وألحانٌ هامسة. جمع على حبّه الطفلَ اليافع، ومن في ريعانه اليانع، والكبيرَ الدانِف، وظلّ لحنـُه شفاءً للسقيم المُدنَف.

تشرّب (الصّمدُ الشافع) حبّ المترة في صواردة، ودار الولدُ القانع، مع القادوس كالعبادة، تربالٌ يافع، ليس دوران الساقية في مفهومه مواجع، كما كان للصغار من أترابه. بل يوحي له أنينها الشجن: والشجنُ هو فقدُ الأمِّ الحنينةِ قبلَ أنْ يبدأ الزمن.
ويلهمُه نبضُ الساقية الحزينُ أن يحمل الطنبور ليعزف الألحان .. معلناً مولد الشاعرٍ الفنّان. وموعدٌ مع القدر أن يصبحَ ورديُّنا نبضَ أمّة، يبزُّ أقرانـَه واللـُّمة.

كما الخليل وكما دهب خليل، يدندن لحنَ ( النوب) لحنَ الذهب، يصير اللحنُ بعد حين نشيداً للوطن، ولا سياج للوطن. صورادة ؟ كلا، بل انطلق. عبري وإشكيت وفركة؟ كلا، دعِ القلق، ومن ثـَمّ انطلق. أمدرمان ومتولي عيد؟ لا بل الهمّ أكبر. هاجـِر مع الطيرِ واعبُرْ. إفريقيّا شرقيّها وغربيّها؟ لا سياج للوطن .. لا سياج للوطن.
إنـّه وردي الوطن

وقالت الوثيقة قد رحل، استنكرت الجموعُ: لا نراه قد رحل، ما خفـَتَ صوتُ الطنبورِ ما اضمحل، ثمّ إنّنا لا نرى المحل. شدْوُه كما كان دوْمَاً يشنّفُ الأذن، عطرُه الفوّاحُ قولُه اللماحُ ما زال بيننا، هل توقف الزمن؟ قال الطبيب لا أسمع نبضَه، لقد توقف قلبُه، إنّ السمّاعةَ لا تكذب، اسألوا الطبيبَ المجرِّب. وهل نسمعُ من الطبيب غيرَ الكذب؟ أما كذبَ الطبيبُ على أبي الطيّب وأخطأ التشخيص؟ فقال فيه المتنبّي ( والمتنبّي شيّال حال):
يقول لي الطبيبُ أكلتَ شيئاً *** وداؤك في شرابك والطعام

فيتحدّاه المتنبّي بأنّ طبّه لا يستطيعُ أن يُشخصَ حالته التي سبرَ هو غوْرَها حين قال:
وما في طبّهِ أنّي جــوادٌ * * * أضرّ بجسمِه طــولُ الجمـــامِ

يا طبيبنا إنّ طبّك في (مطب)، هذا الرجل من ذهب ولا يصدأ الذهب، وبلده نوبيا مشتقٌّ اسمها من (النوب)، ألا تدري ما هو الذهب؟

يا طبيبَنا إنّ وردي يسعى بيننا، إنّ وردي حيٌّ في دواخلنا.
هذا هو المنطلق (حيٌّ في دواخلنا)، تنادينا بها جميعاً لنقيم لوردي الوطن مهرجاناتٍ تقهرُ حزنَ من حـَزِن، وتنهضُ بهمّةِ من رأى رأيَ الطبيِبِ الذي قلـّبَ لنا ظهرَ المِجَن. وردي الوطن حيٌّ في دواخلنا ... مهرجاناتٌ تترى، أوّلُ قطرِها الليلة.
وتلحق بها بعد شهرٍ مُزنةٌ أخرى، مُزنةٌ نوبيّة حفلها مهيب، تمتنع فيه لغة الضاد، وينتشي الناطقون بغيرها وقد جمعنا لها - في عناقٍ- الأضداد (عزم ترهاقا وإيمان العروبة). يحييها نوبة جنوب الشمال نوبة إخناتون، ونوبة شمال الجنوب نوبة تهارقا الميمون.

وتتلوها ديمة إفريقيّةٌ هتون: ما فشلت فيه منظمةُ الوحدة الإفريقيّة، وسليلـُها العليل الاتحاد الإفريقيّ، ووكالة أنبائهما (بانا)، نجح فيها وردي حين أتانا ينسِجُ شرقيَّها بغربيِّها. دانت القلوب بحبّه تيّمها اللحنُ الذي هيمن، وشُغِفت بحبِّ ملحـِّنِها المُدندن وإن لم تفهمِ المنطوق.

قال لي محمّد ياسين إنّه كان في منفذ (وردي فون) يبيع شرائط الغناء حين أتاه ذلك النيجيريّ المتين يطلبُ شريط (واهرو هتـّا مِن جكره).. يقولُ: لم نستبين.. وردّدها المتين ( واهرو هتـّا مِن جكره)... ردّدها مثنى وثلاث ورُباع، وضربوا هم أخماساً في أسداس، حتى قيّض الله لزائرٍ تفسيرَها (لعله كان من أهل المِزاج) قال: يريد ( واهرب حتّى من ذكراك)، فتأمّل.

هو إذن مهرجان يعبّر فيه أهل إريتريا وأثيوبيا وتشاد وجنوب السودان وغيرهم عن حبّهم لمن جمع بينهم.

ثمّ يأتي الغيثٌ العميم مهرجان أصدقاء أبي عركي... هي المفاجأة الكُبرى، إذن نترك شأنها، حتى نملأ دنّها في ليلة العُرس الجميل.
والسيل الكاسحُ هو سيل رابطة الصالحيّة الرياضيّة التي يتحوّلُ موسمُها الرياضيّ مهرجاناً ورديّاً، سنسمع عنه كلّ تفصيل.

ثمّ يأتي رذاذ المهرجانِ الجامعِ الخاتم.

لم نحدّد موعداً قاطعاً لكلِّ مهرجان، ولكنّا ننشرُ مهرجاناتِنا ما بين (مايو) الذي (انجلى) وأكتوبر الأخضر القادم، أكتوبر (الدرد) الذي يستوي به (العيشُ الملـبِّن).

أمّا المهرجانُ الفاتحُ الأوّلُ:

مهرجانُ الليلة، فهو لقمةُ سائغة زيّنا لها الأشداق حين قامت لها على ساق جمعيّةُ الصحفيين السودانيين، التي تنظمها وتتكفـّلُ بكلِّ شأنها إلا القليل. ومحاضِرُ اليوم بين أقرانه القُدّام والذروة والسّنام، هو صحفيّ ناقدٌ مؤرّخ باحث موثـّق، أرّخ للغناء السودانيّ كما لم يفعل أحد حين اكتفى الموثـِّقون بالشهادات الشفهيّة، هو أستاذنا معاوية ياسين، وبعد أن تسمعوا قوله المُبين، (حوّطوه) بالمعوِّذتين و(يس).

تزدانُ هذه الليلة وتأخذ هذه القاعات وهذه الحوائط زخارفـَها المُوَشَّاة بفعل مجموعة نذرت نفسها للفن (بيت التشكيليين السودانيين)، واصلوا الليل بالنهار يسابقون الزمن، في لجان مهرجانات وردي الوطن. منهم من هو جزء من اللجان ومنهم من هو خارجها، يضعون البصمة وينتزعون البسمة، يلوّنون كلّ ما يخصّنا بلونِ يجلب المسرّة، في كلّ مرّة.
وينتهي حفلنا اليوم بأغاني شجيّة.. نماذج فنيّة من الأغاني الورديّة يشدو بها مدثر ياسين ومجموعة الفنّانين يدخلون على قلوبنا السرور، حتى نحلق في فضاءات الطيور.
أحبّتي:

بعد ذا ترقبوا سُحبَ السماءِ: غيمةً وقطراً، وديمةً وغيثاً وسيلأً، هي تترى، هي قطرات مهرجاناتِ وردي الوطن. ودمتم جميعاً للوطن، وحدق العيون ليك يا وطن.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)

صخرة النبي موسى عليه السلام