باقى قصة التكاسي الشهم مع السعودي الذي مرض داخل عربته


قال إن المرحوم السعودي كان في طريقه لزريبة الشيخ البرعي.. التفاصيل الكاملة لشهامة (سائق تاكسـي )


 12 02:40 AM
قال إن المرحوم السعودي كان في طريقه لزريبة الشيخ البرعي..
التفاصيـــل الكاملة لشهامة (سائق تاكســــي).!

أمدرمان: أحمد دندش

صباح الأربعاء الماضي، لم يتوقع (محمد الفاتح) سائق التاكسي أن تتابع الأحداث بتلك الصورة الدرامية المحزنة، ولم يدر بخلده إطلاقاً أن يوم عمله الاعتيادي في نقل المشاوير من مطار الخرطوم إلى داخل العاصمة، سيكون يوماً مختلفاً جداً، وربما أكثر اختلافاً من أي يوم آخر مضى عليه، ووقائع ماحدث صبيحة ذلك اليوم يرويها السائق بنفسه، وذلك بعد انشغال عدد كبير من المواقع الإلكترونية بخبر وفاة مواطن سعودي داخل سيارته، بينما أفردت (السوداني) صباح أمس، ذات الخبر، وهو ما استدعى سرعة البحث عن ذلك السائق ومحاولة نقل الأحداث كما هي، وهو ماحدث بعد محاولات عديدة أجرتها الصحيفة للعثور على رقم هاتفه، وبالفعل ماهي إلا بضع رنات على الجانب الآخر حتى أتانا صوته وهو يرحب بنا، ويقوم بوصف وتحديد مكانه لنا، لتبدأ رحلة البحث والتقصي عن ماحدث.
الطريق للفتيحاب:
استغرق الوقت للوصول للسائق (محمد الفاتح) بمنطقة (الفتيحاب) بأم درمان ساعة كاملة بسبب ازدحام الطرق نهار أمس، ليصافحنا بحرارة عند وصولنا له، قبل أن يطلب منا أن نتبعه للمنزل، وبالفعل سرنا خلف سيارته (التاكسي) مسرح الأحداث حتى وصلنا إلى منزل عمته بالمنطقة، والذي كان يأخذ قسطاً من الراحة به.
تفاصيل ماحدث:
مباشرة دخلنا في الموضوع..وبدون مقدمات سألنا (محمد الفاتح) عما حدث.. وقبل ذلك طلبنا منه أن يمدنا باسمه كاملاً وببعض المعلومات التعريفية عنه ليقول بعد أن أسند وجهه على راحة يده: (أنا اسمي محمد الفاتح مكي محمد خير.. وأنا أصلاً من مدينة النهود غرب كردفان).. وصمت قليلاً قبل أن
يقول: ماحدث بالضبط هو أنني في يوم الحادثة كنت أقف أمام صالة الوصول بمطار الخرطوم بحكم عملي هناك في انتظار أي مشوار للعاصمة.. وبعد فترة قليلة لاحظت مواطناً سعودياً كان يتحرك بكرسي متحرك بحكم إعاقته، فذهبت نحوه وسألته عن سبب وجهته، فرد على بأنه يريد الذهاب لزريبة الشيخ البرعي بغرض السياحة..فأخبرته بأن المكان الذي يطلب الوصول إليه بعيد ويمكن أن يستغرق أكثر من (4) ساعات، وربما لايجد شيخ الفاتح المسؤول بالزريبة، فبحكم معرفتي به فهو يتنقل كثيراً مابين أم درمان والزريبة، وطلبت منه أن يمنحني بعض الوقت لأسأل عن مكان وجوده، وبالفعل قمت بإجراء بعض الاتصالات لاكتشف أن شيخ الفاتح موجود بمجمع الشيخ البرعي بأم درمان، وأخبرته بذلك، فطلب مني أن نذهب إلى هناك.. وبالفعل تحركنا بالسيارة صوب أم درمان.
تتابع الأحداث:
بعد مسافة قصيرة تعرفت على اسمه وهو (أحمد بن مسفر الزهراني).. وكنت أناديه طوال الطريق بـ(عم أحمد).. وكان يبدو لي رجلاً في منتصف السبعينات، حتى أنني تفاجأت عندما علمت فيما بعد أنه في مطلع التسعينات، أي أنه لم تكن تبدو عليه علامات الشيخوخة الطاحنة التي أعرفها.. المهم خلال سيرنا تجاه أم درمان لاحظت أن أنفاس الرجل تتصاعد بعنف.. وعندما اقتربنا من منطقة أمبدة ازداد الوضع سوءاً، لكننا وصلنا للمجمع، وهناك طلبت من بعض الحيران أن يخبروا شيخ الفاتح أن هناك زائراً سعودياً جاء لزيارة السودان ويطلب مقابلته ، فأخبرني الحيران أن شيخ الفاتح غادر قبل ساعات إلى الزريبة.. فعدت (للعم أحمد) وأخبرته بذلك ولكنه لم يرد عليّ.. وفي تلك اللحظة قررت فوراً أن أتوجه به للسفارة بعد أن لاحظت أن علامات الإعياء قد بدأت تظهر بشدة عليه، وعندما وصلت تحديداً إلى منطقة بانت، أحسست أن وضعه أصبح صعباً جداً، لأقرر تغيير وجهتي من السفارة إلى مستشفى أم درمان، وذلك في محاولة مني لإنقاذ حياته.. عند تلك النقطة تحديداً قاطعناه
وقلنا له: (ألم تشعر بالخوف في تلك اللحظة)..؟؟ صمت قليلاً قبل أن يقول بهدوء: (إطلاقاً.. أو بالأصح أنا لم أشعر بأي شيء.. حتى الاستوبات.. كنت أمر بها دون أن أعرف ماهو لونها.. وكل ذلك من أجل إنقاذ ذلك الرجل).
إسعافات واضطرابات:
يواصل (محمد) الحكاية ويقول: وصلت للمستشفى، وقمت بإدخاله إلى داخل العيادات حيث قام الأطباء بعمل الفحوصات له، وقاموا بسؤالي عما به، لأخبرهم بأنني لا أعرف أي شيء عن الرجل سوى أنه زبون كان يركب معي وأصيب فجأة بتلك الحالة.. وبالتالي أصبحت أنا المرافق الوحيد له.. وأثناء محاولات إسعافه، سقطت من جيبه بعض الأوراق، فقمت بحملها، كما قمت بحمل كل متعلقاته من جواز وبطاقات ومحفظة نقود، واتصلت بزميل لي، وطلبت منه أن يأتي إليّ في المستشفى، وبالفعل جاء زميلي لأتركه مع الرجل وأتوجه أنا نحو السفارة لأخطارهم بماحدث، وفعلاً قصصت عليهم مادار، وأعطيتهم كل متعلقات الرجل، كما طلبت منهم إحصاء المال الموجود فوجدوا أنه يقارب الـ(9500) ريال سعودي.. ومن ثم رافقني وفد من السفارة للمستشفى، وقاموا بإجراءات نقله إلى مستشفى آخر هو رويال كير، ليتوفى هناك حوالي الخامسة من صبيحة يوم الجمعة.. وكنت أنا في المستشفى أسأل عن حالته ليخطرني الأطباء بالخبر الأليم.
اتصال من ابنته:
يقول (محمد الفاتح) إنه أثناء توجهه نحو السفارة لتسليم ملحقات المرحوم، رن هاتف المرحوم الذي كان يحمله في جيبه، ليرد على الهاتف ويجد أنها ابنته من السعودية، ليخبرها بما حدث لوالدها ويحاول تطمينها.. ويضيف: (أوصتني ابنته عليه وطلبت مني أن أطلعها على مايحدث.. وبعد تسليمي لهاتف المرحوم للسفارة انقطع اتصالي بها).
50 جنيها فقط:
خلال حوارنا مع (محمد) سألناه عن الأموال التي كان يحملها معه في جيبه الخاصة به في تلك اللحظات، ليقول بأنه كان يحمل في جيبه مبلغاً من المال لايتعدى الـ(50) جنيهاً، ويضيف: (والله لم انتبه لأي شيء طوال تلك الأيام التي قضيتها بين المنزل والمستشفى وأنا أحاول الاطمئنان على ذلك الرجل الفاضل).
تكريم من السفارة:
السفارة السعودية قامت بتكريم السائق (محمد الفاتح) أمس، وذلك لشهامته ومروءته ووقوفه بجانب الفقيد السعودي، ونقل القائم بالأعمال بالإنابة السيد سليمان بن علي آل بدير عبر (السوداني) تحياته للرجل، وقال إنه يمثل نموذجاً مشرفاً للمواطن السوداني.. وقال بأن هذا الأمر ليس بغريب عن شعب السودان.
آخر محطة:
الجدير بالذكر أن السائق (محمد الفاتح) متزوج وأب لثلاثة أبناء، تدرس واحدة بجامعة الأحفاد، والأخرى في الرباط، ويجلس أصغر أبنائه لامتحانات الشهادة السودانية، وهو يقطن بالصالحة، وهو بالفعل نموذج يستحق الثناء.. ويستحق التكريم على ذلك الموقف النبيل.

السوداني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)

صخرة النبي موسى عليه السلام