حينما يواجه العلماء الطغاة


حينما يكون الشيخ عالماً لا يخاف الا الله و تلهيه الحوافز عن قول الحق , الشيخ المحلاوي تحدى السادات و السادات في عز جبروته



متي اعتقلك السادات لأول مرة؟
ـ كان الاعتقال، مثل كثير من الأمور التي كان السادات طرفا فيها، أحد أفضل الأمور التي مرت بي، وأذكر أنه جاءني في يوم الأربعاء ١٥ يوليو ١٩٨١ قراران: الأول إيقاف عن العمل والثاني استدعاء من المدعي العام الاشتراكي، وهو الجهاز الذي انتقدته فيما بعد انتقاداً مراً، وللعلم كانت قضيتي رقم واحد في هذا الجهاز تحت مسمي «محكمة العيب»، وأذكر أنني قبل ذلك بقليل انتقدت شخص الرئيس السادات، حتي إنه في خطاب سبتمبر قال: «فيه واحد شيخ في مسجد القائد إبراهيم يتعرض لي ولعائلتي» وهو غير صحيح طبعا، لأنني لم أتعرض لعائلته أبدا، أما السبب في أنني جعلت السادات هدفي المباشر، ولم أنتقد وزيراً أو رئيس وزراء، فهو أن السادات وقتها كان قد صفي له الجو فعلا، غير مجلس الشعب أكثر من مرة حتي أصبح كما يشتهي، وقام بتغيير الوزارة أكثر من مرة أيضاً حتي أصبح الجميع مثل «الدمي» التي يحركها بأصابعه.
وكل خُطبي كانت أجهزة الأمن تسجلها وترسلها للداخلية التي تحيلها للأوقاف، التي تستدعيني لسؤالي عنها فأقر بكل ما جاء فيها، لأن موقفي سليم، والغريب أن السادات كان يحتفظ بالشرائط والملفات لديه.
* وماذا فعلت عندما وصلك قرار الإيقاف عن العمل؟
ـ يومها اجتمعت في بيتي كل الهيئات الإسلامية مثل الإخوان، وأنصار السنة، والسلفية وغيرها واستشرت الناس، هل ننحني للريح أم نقف في وجهها فأشاروا بأن علينا أن ننحني لها حتي ينتهي الموقف، خشية أن أتعرض للضرر، فقلت لهم وإذا نحينا ما يتعلق بالضرر الذي يتوقع أن يصيبني، هل نواجه أم ماذا؟ قالوا نواجه، لأنه لا يصح أن يتم وقف إمام عن العمل.
دار هذا الحوار يوم الأربعاء، الذي تم إيقافي فيه، وعندما استقر أمرنا علي المواجهة، وكان علينا الاستعداد بسرعة في ذلك الوقت كان أمن الإسكندرية وفي مقدمته أمن الدولة يحترمونني، ورغم أنهم كانوا ينقلون كل شيء للرئاسة، فإنهم كانوا مقتنعين إلي حد كبير بما أقول، لذلك جاءني «نظمي الطرابلسي» رئيس جهاز أمن الدولة، وطلب مني تهدئة الأمور، وألا أذهب للمسجد لصلاة الجمعة، لأن «التيار شديد» وأقسم أن الأمر من فوق، وأنهم لا دخل لهم به، فقلت له لا توجد مشكلة، وبالتالي وضع أمن الدولة في حسبانه أني لن أذهب للمسجد يوم الجمعة، في حين أعد أنصار التيار الإسلامي العدة لذلك، في الوقت نفسه كان لدي أجهزة الأمن تخوف من أن يؤدي عدم ذهابي للمسجد ـ وفقا للاتفاق ـ إلي توتر وحشد المصلين.
وفي يوم الجمعة جمعت قوات الأمن حشوداً كبيرة من الموظفين، ونقلوهم للمسجد في أتوبيسات، حتي يظل المسجد علي صورته المعهودة، وحين اقترب موعد الصلاة أخذني الأولاد في سيارة للمسجد علي غير العادة، خصوصاً أنني اعتدت الذهاب بالمواصلات العامة، وحين وصلت كان قد تم الترتيب للحيلولة دون صعود أي إمام ترسله الوزارة إلي المنبر، حتي لا نضطر لإنزاله فيكون عيباً في حقه وحقنا، وبمجرد أن شاهدني المصلون بدأوا الهتاف، والغريب أن الناس الذين حشدهم الأمن للصلاة ظنوا أن الحكومة حشدتهم للهتاف فهتفوا هم أيضاً لوصولي.
* وماذا حدث في الخطبة نفسها؟
ـ لا يمكن أن أنسي خطبة هذا اليوم، وهناك شريط كاسيت لها يحمل رقم ١٢٥، وهو متداول بكثرة، لأنني في هذه الخطبة تحديت السادات كما لو كان شخصاً أقل من عادي وليس رئيس الدولة، «زي ما تقول كده» كنت يائساً أو «مستبيع» لدرجة أنني قلت في الخطبة أنني كنت أوسط الناس لديه قبل ذلك، لكنني هذه المرة لن أوسط أحداً ولن أذهب إليه وقلت «هو فاكر إن باستطاعته أن يحرمني من قضاء العيد بين أولادي.. لا سأقضي العيد معهم، لأنهم أفضل من أولاده».
يصمت الرجل قليلاً ثم يكمل: كان تهديد رجل مجنون أو قل كان تحدياً سافراً للرئيس، لدرجة أنني قلت لماذا لا يفعل ذلك مع شنودة، الذي عمل فيه كذا وكذا.. فاتني أن أذكر أنه قبل قرار إيقافي عن العمل بأيام كان عندي الدكتور محمد عبداللاه ومعه نظمي الطرابلسي، ويومها سألت الدكتور عبداللاه: أريد أن أعرف لماذا لا يطيق السادات كلامي، رغم أنني أقول ما يقوله خالد محيي الدين وغيره؟ رد محمد عبداللاه ـ وهو لايزال حياً وشاهداً علي ما أقول ـ نحن نقول له فلان بيقول عنك كذا يا ريس، يرد قائلا: سيبكم منه.. فلان بيقول، يرد بنفس الكلام، فإذا قلنا له الشيخ المحلاوي بيقول.. يرد علينا قائلاً: هاتوا لي الشريط، لذلك ظهر في خطابه الشهير وهو يحمل شرائطي.
* وكيف تم إلقاء القبض عليك؟
ـ بعد أن انتهت الخطبة عدت إلي بيتي، وفي صباح السبت ١٧ يوليو توجهت للمدعي العام الاشتراكي للتحقيق، يومها ذهبت وأنا علي يقين أنه ليس لي إلا الله، فالخصومة مع السادات ليست مع شخص عادي، لذا أجبت عن أسئلة المدعي العام دون اكتراث لدرجة أنه كان يسألني السؤال فأرد علي المحقق قائلاً: «نعم قلت» ألا تقول أنت نفس الشيء ألست مسلما؟! انتهت التحقيقات وعدت إلي البيت في نفس اليوم.
* وماذا حدث بعدها؟
ـ بعدها بيومين وحتي يمنعوا ذهابي للمسجد ثانية جاءوا في الواحدة ظهرا لإلقاء القبض علي من البيت، وكانت «حاجة في غاية الحلاوة».. يضحك الشيخ العجوز ويقول: جاءوا بـ ١٢ سيارة أمن مركزي «لوري» للقبض علي إنسان لا يحمل سكيناً، وعندما طرقوا الباب قلت خير يا جماعة، قالوا نريدك معنا، دخلت لأرتدي ملابسي فهجم أحد الضباط علي الباب ليفتحه فوبخته قائلاً: احترم نفسك، هل تتخيل أنني أخاف منك وأهرب، وبعد أن ارتديت ملابسي رفضت أن أركب في سيارة الأمن واتصلت بالأستاذ عادل عيد فحضر بسيارته وركبت معه، وخلفي هذا الموكب الكبير من سيارات الأمن في وقت الذروة، وهو ما لفت أنظار الناس.
ووصلت إلي مبني محكمة الإسكندرية.. وللتاريخ أقول إنه حين أغلق علي الباب وجدت كل الضباط الموجودين يبكون وهم يقولون: «والله ليس لنا ذنب» لدرجة أننا كنا وقتها في شهر رمضان فحين جاء وقت الإفطار لم يذهب أحد إلي بيته وأفطروا جميعا في المحكمة.
مكثت هناك يومين وبعدها أفرجوا عني، وقتها قررت إلقاء خطبي في مسجد آخر، واخترت مسجد عمر بن الخطاب في حي الإبراهيمية بكامب شيزار.
* وماذا حدث بعدها؟
ـ مصادفات القدر معي غريبة، ففي الجمعة التالية لخروجي احتشد الناس في انتظار ما أقوله، وكان المسجد مكوناً من ثلاثة أدوار، ورغم ذلك لم يسع الجميع، وقف الناس في الشارع الذي يطل عليه المسجد بامتداد منطقتين، واضطر الأهالي لإلقاء السجاجيد للمصلين من البيوت للصلاة عليها، وتم إغلاق أحد الشوارع الرئيسية بسبب الزحام، وتصادف أن السادات كان في زيارة للإسكندرية في نفس اليوم، وأغلقوا له أحد الشوارع لمروره ونقلت له صورة مضمونها أنك تغلق شارعاً والمحلاوي يغلق شارعاً مثله، بعد ذلك عدت مرة أخري لاستكمال التحقيقات في المدعي الاشتراكي وفي آخر يوم للتحقيق انتهت المقابلة ونهضت لمغادرة مكتب المدعي الاشتراكي، وما إن فتح الباب حتي وجدت أمامي عدة أشخاص، قالوا إنهم أمن دولة جاءوا لإلقاء القبض علي، قلت لهم إن القضية الواحدة لا تحقق فيها جهتان، لكنهم أخذوني إلي مبني أمن الدولة، ثم مديرية أمن القاهرة وبعدها علي سجن طرة وكانت المرة الأولي التي أدخل فيها السجن، وكان ذلك في الأيام الأخيرة من يوليو.
* وماذا عن أجواء السجن نفسه؟
ـ بعد إيداعي سجن طرة اكتشفت أنه مقسم إلي ثلاثة أقسام الأول يضم عنابر الجرائم العادية، بما فيها القتل والقسم الثاني مخصص لمن يرتكب جريمة داخل السجن ويسمي «عنبر التأديب»، أما الثالث فهو خاص بعتاة المجرمين ويسمي «عنبر التجربة» والسادات بدوره اختار لي ما يناسب مقامي ووضعني في الثالث، ورغم أنني لا أحب الحديث عن هذه الفترة ـ لأنني شعرت خلالها بفضل من الله لست أهلاً له ـ فإن أبسط ما يمكن قوله أني دخلت السجن المخصص للعتاة، فإذا به أحسن ما يكون مقارنة بالسجون الأخري، وكانت البداية رهيبة حيث وضعت في حجرة ضيقة مظلمة لا تري فيها أي شيء، وبأحد جدرانها فتحة «طاقة» ضيقة للضوء، أما الأرضية فكانت غير مستوية حتي لا تمكنك من النوم فوقها، وإلي جوارك صفيحتان إحداهما لمخلفاتك والأخري للمياه، وكان من الممكن أن تبدل إحداهما مكان الأخري، بالإضافة إلي أنك تقضي ٢٤ ساعة إلا ربعاً في الظلام الدامس، أما ربع الساعة فيسمح لك فيه بالخروج لتدخل دورة المياه وكانت لا تطاق، والطفح منها يجعل دخولها أمراً مستحيلاً.
* وكيف تغلبت علي هذه الظروف؟
ـ دخلت السجن مرتدياً «الجبة» البيضاء والعمامة وما إن استقرت الحال بي في الزنزانة ٢٥، حتي وجدت شاباً يلتقيني أثناء فترة الخروج القصيرة وكان مسجوناً بالزنزانة المقابلة ويقول لي يلا يا شيخ أنت والدي قلت له أشكرك فلم أكن أعرفه، لكنه لم يكتف بذلك بل أحضر لي ملابس من عنده «غيارات» وأكرمني، وحول السجن عندي إلي جنة، وخفف عني كثيراً، واكتشفت بعد عدة أيام أنه «شاري» السجن لحسابه بفلوسه، وهو ما جعلني أتعجب حتي اكتشفت أنه أحد أكبر تجار الحشيش في مصر، وأن اسمه محمد وشهرته المعلم «حمامة»، وينتمي إلي عرب السويس، وأنه سجن قبلي بأربعة أو خمسة شهور فقط وعندما سألته كيف تم القبض عليك أخبرني أنه بعد أن قبض علي بعض صبيانه ببضاعة ذهب، واعترف أنها تخصه وأنهم لا علم لهم بمحتواها فقبض عليه، لكنه استطاع أن يدفع مبلغ قدره ١٠٥ آلاف جنيه لشخص ما ويخرج من السجن، لكنهم بعد ذلك استدعوه لفحص بعض الأوراق الخاصة به وألقوا القبض عليه وهو ما جعله يقسم بأنه لو عرف نيتهم لخرج من مصر علي متن طائرة في الحال، فكنت أقول له أنت وضعت هنا لحكمة لا تعلمها.
* دخلت السجن في خصومة مع رئيس الجمهورية فهل تم تعذيبك جسدياً كما فعل مع آخرين؟
ـ لا.. إطلاقاً.
* وما تفسيرك لذلك؟
ـ لم تكن هذه سياسة السادات ولم يكن من طبعه الانتقام الجسدي أو التشفي، لكنه لم يكن يريد أن يهز أحد مركزه، بعد أن أخذه سلطان الغرور والعظمة.
* وماذا حدث يوم الخامس من سبتمبر ١٩٨١؟
ـ كنت قد علمت أن السادات سيلقي خطاباً في ذلك اليوم أمام مجلسي الشعب والشوري ولم يكن يخطر لي ببال أن يذكرني فيه، يومها طلبت من المعلم حمامة جهاز راديو واستمعت للخطاب وراح الرئيس ينتقد الفتنة الطائفية، ومن بعدها الإخوان المسلمين، حتي سمعته يقول «قبل ما أروح القدس فيه شيخ معمم يخطب في مسجد القائد إبراهيم...»، واستمر السادات ينتقدني نحو ساعة كاملة في خطابه، لدرجة أنه أحضر الشرائط الخاصة بي معه وبدا عليه أنه متلخبط قوي، بعد أن قبض علي هذا العدد الضخم من الناصريين والشيوعيين والإسلاميين والأقباط، وللعلم لم أكن ضمن هذه الاعتقالات فقد كنت محبوساً علي ذمة القضايا السابقة، والغريب أنه بعد تحقيقات النيابة معي أصدرت أمراً بالإفراج عني فتحولت من الحبس علي ذمة قضايا إلي الاعتقال «حصلت علي إفراج وأنا داخل السجن رغم اعترافي بكل ما نسب إلي من اتهامات، لدرجة أن لي ابن أخ ـ رحمه الله ـ ذهب بعدها بسنوات ليطلع علي تحقيقات النيابة وعاد ليقول لي وكأن من كتب التحقيقات شقيقك وليس شخص آخر».
* كيف كان شعورك وأنت تستمع إلي السادات وهو يتحدث عنك؟
ـ أخذ السادات يتحدث عني وأنا أقول لنفسي كل فترة «مش هيسكت بقي» فيستمر في كلامه، أما عن الخطاب فقد أعجبني فيه شيئان وأزعجاني في الوقت نفسه، الأمر الأول قوله: «أهو مرمي زي الكلب في السجن»، بالرغم من كون الكلام جارحاً فقد أعجبني لأن خصمك حين يملك الحجة لمجادلتك لا يسبك، أما حين يفلس فإنه يشتمك، لذلك عندما سمعته أيقنت أنه أفلس، ما أعجبني أكثر كان حين قال «والله في اللي فات وفي هذه ـ يقصد كلامي عن معاهدة السلام ـ وفي القادم لا أرحمه أبداً» عندما سمعت هذا الكلام قلت سبحان الله أهو «أي السادات» رب؟... لأن الرب هو من يرحم، لذلك لا تتعجب إنني قلت وقتها إن هذا الكلام ينم عن فرج قريب.
* وماذا حدث بعد الخطاب؟
ـ في الصباح كان أخونا حمامة ـ رحمه الله ـ قد سمع الخطاب هو الآخر وحينما حان وقت الخروج من الزنزانة وجدته يتجه إلي قائلاً «مولانا دا أنت طلعت خطير قوي» يضحك المحلاوي ثم يكمل... ناديته وقلت له إنت أكرمتني والإسلام علمنا أن نرد الجميل لمن أكرمنا، لكني لا أعرف كيف لي أن أرد جميلك لأنني لا أملك أي سلطة، وقلت له إنني علي استعداد أن اقتسم معك مدة سجنك البالغة ٢٦ عاماً، فقال لي إنه لم يأت ليتحدث معي في ذلك، لكنه جاء ليخبرني بأني إن كنت أعتمد في قضاء حوائج أسرتي علي بعض الأشخاص فبعد الخطاب الناري للسادات لن يستطيع أي منهم الاقتراب من بيتي، وطلب مني أن أخبره كم ألفاً من الجنيهات يحتاجها بيتي ليرسلها لهم رجاله في الصباح، قلت له لا أحتاج شيئاً والحمد لله وكل ما أريده أن أرد لك ديناً في رقبتي بأن تضع يدك في يدي وتعاهدني علي التوبة لوجه الله، فأقسم بالله أنه حاول التوبة أكثر من مرة ولم يحل بينه وبينها سوي المسؤولين أنفسهم، لأنه يتاجر لحسابهم وذكر أنه يستورد الموبيليات لحساب أحد الوزراء وفي داخلها المخدرات، وذكر اسم الوزير ونحن نحتفظ به.
* ذكره بالاسم؟
ـ هذا كلامه رحمه الله وهو ذكره بالاسم، بعد أن ذكر المسؤولين إجمالاً، لدرجة أنه قال لي إنه ما كان يتصور أن يلقي القبض عليه.
* في رواية الشيخ يوسف البدري عن سجنك ذكر أنهم عينوا لك شخصاً يدعي السويفي ليكون مسؤولاً عن تعذيبك؟
ـ كلامه صحيح وقد التقيته وغيره من زبانية التعذيب لكن قبل أي شيء وللتاريخ لم يمسسني منهم أي سوء، ففي الفترة التي سبقت موت السادات سخر الله لي المعلم حمامة، الذي حال بينهم وبين تعذيبي، بل إنه قال لي ونحن في سجن طرة: «هم جاءوا بك هنا ليعذبوك وأقسم بالله لن ينالوا منك طالما أنا موجود»، وهو كان قادراً علي فعل ذلك، بعد أن اشتري السجن لدرجة أنني كنت أشاهد مسؤولي التعذيب أمامه وكأنهم قطط أليفة، حتي إنه استطاع أن يخفف كثيراً في فترة تالية من تعرض بعض قتلة السادات للتعذيب.
* اتهمك الرئيس السادات بالانتماء للجماعات الإسلامية وأن هناك قوي خارجية تحركك؟
ـ هو لم يقل إني علي علاقة بجماعات في الخارج لكنه قال الجماعات في الداخل، وهو صادق في ذلك، لأن التيار الإسلامي والصحوة كلها بدأت من الإسكندرية ولم تكن وقتها محسوبة علي أي اتجاه، كان اسمها الجماعة الإسلامية فقط وكانت بدايتها في مسجد سيدي جابر، وجامعة الإسكندرية، وبعد ذلك انضم جزء من اتباعها للإخوان وجزء آخر للسلفية، ودائماً ما كان يتم سؤالي عن الجماعة وأؤكد أنهم بلا انتماءات، وللعلم فإن كثيراً من التيارات مثل الإخوان أو الجماعات الأخري حاولت ضمي إليها لكنني رفضت وقلت إني اعتبر نفسي «أباً» لكل المسلمين وأن انضمامي لطرف معين سيكسبني عدواة الطرف الآخر، لذلك كان جامع القائد يتواجد فيه كل التيارات.
* أثناء فترة السجن من كان معك من الرموز المعروفة؟
ـ كان معي بالسجن الأستاذ عادل عيد والشيخ محمود عيد والشيخ حافظ سلامة والأستاذ عمر التلمساني وغيرهم كثيرون ممن اتيح لي أن ألتقي بهم بعد مقتل السادات إذ خفت وطأة السجن وقتها وانصب التعذيب علي قتلة السادات ومعظمهم كانت تربطني بهم علاقات قبل السجن.
* ذكر الشيخ البدري أنه سجن في زنزانة مجاورة لك وأن سجيناً جنائياً نقل له علي لسانك عقب مقتل السادات عبارة «مبروك اتنش»؟
ـ الشيخ يوسف تم اعتقاله بعد أن قاد مظاهرة كبيرة للمطالبة بالإفراج عني، وقتها استدرجه النبوي إسماعيل ووعده بأن يفرج عني، وبعد أن قام بفض المظاهرة وذهب أنصاره من حوله قام باعتقاله، أما كلامه عن مقتل السادات فلم يحدث، لأن البدري لم يكن معي في السجن الذي كنت فيه نهائياً وعلمت بمقتل السادات من المعلم حمامة وكنا لانزال في عنبر التأديب ولم يكن معنا وقتها أي سجين سياسي.
* وما شعورك حين علمت بمقتله؟
ـ تتعجب حين أقول لك إن السجناء الجنائيين الذين لم يكن لهم في السياسة كانوا يشعرون أن نهاية السادات اقتربت وأنه سوف يقتل، لذلك جاء خبر مقتله وكأنه ليس بغريب علينا.
* كم المدة التي قضيتها في السجن؟
ـ قضيت نحو عام.. والجزء الأكبر منها بعد مقتل السادات وخلال هذه الفترة كانوا يأتون إلينا داخل السجون أو في مبني أمن الدولة يراجعوننا فيما كنا عليه، لكنني قلت لهم إنني لن أغير آرائي التي قلتها ليفرج عني لذلك طال سجني.
* هل تقصد أنه كانت هناك محاولة للمراجعات معكم؟
ـ بالفعل هم كانوا يبحثون عن نوع من «الملاينة»، لكن ردودي كانت «ناشفة» لذلك خرج قبلي التلمساني ومن قبله الشيخ حافظ سلامة وعبدالرشيد صفوت وبقيت أنا للآخر.
* ما تعقيبك علي ما ذكره النبوي إسماعيل في حوار سابق لـ«المصري اليوم» أن اعتقالات سبتمبر كانت لوجه الله وأنها لا علاقة لها بمقتل السادات؟
ـ كلامه إلي حد ما كويس، بس حتة إنها لوجه الله دي فيها كلام... يعني مش للدرجة دي... وأنا أقول إنه رغم الخصومة التي وصلت إلي قول إحدي الصحف البريطانية يوم خروجي من السجن «أفرج اليوم عن أشد خصوم السادات»، رغم كل هذا أقول إن السادات لم يكن ينوي الاستمرار في اعتقال المجموعة التي تم القبض عليها ولا هذه كانت سنته، فعهده لم يكن عهد اعتقالات أو تصفيات.. هذه حقيقة، وسببها أن السادات أراد تصفية الجو حتي موعد الاحتفال بعودة سيناء لذا تتعجب حين تعلم أنه كان بين المعتقلين أطفال.
* هل تري أن هناك من غرر به ليقدم علي ذلك؟
ـ القدر هو الذي دفعه لذلك، ففي ذلك الوقت كان شاه إيران قد أطيح به، وأمريكا استهزأت به، رغم أنه كان حليفها، وكان السادات يخشي هذا الأمر بالذات، وهو شعور أمريكا بأن مركزه اهتز في مصر، وأنه لم يعد مسيطراً فتتخلي عنه، لذلك أراد أن يظهر أمامها أن قبضته لاتزال تحكم مصر وهو تفكير لم يكن صحيحاً إذ ظن أن الاعتقال يحقق له تثبيت وجوده أمام أمريكا ومنع معارضة معاهدة السلام حتي ينتهي الأمر بتسلم سيناء، وهو الشيء الذي حدث في عهد مبارك، لكل ما سبق إذا قال النبوي إن الاعتقالات بريئة فهذا صحيح من ناحية لكن في نفس الوقت إذا رجعت إلي أقوال قتلة السادات وتحديداً خالد الإسلامبولي تجده يذكر عيب السادات في حق المشايخ ومنهم المحلاوي ووصفه للحجاب بأنه «خيمة»، واستفزازه للتيار الإسلامي.
* ما حقيقة ما تردد من أنك دعوت عليه من فوق المنبر في إحدي خطبك؟
ـ قلت لو أن هناك حرية لطالبت السادات بالاستقالة، لكني أبداً لم أدع عليه، لأن المنبر لم يكن يوماً وسيلة للشتيمة.
* الآن وبعد مرور كل هذه السنوات ماذا تقول في السادات؟
ـ أقول رغم الخصومة معه فإننا حين نقارن عصره بما نحن فيه حالياً نجد فارقاً كما بين السماء والأرض رغم عدائي معه، ورغم أن ما فعله مبارك بنا هو تداعيات لما فعله السادات، لكن المقارنة بينهما تؤكد أن عصر السادات كان أفضل بكثير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)

صخرة النبي موسى عليه السلام