ذكريات رمضان في قريتنا

 
تروايح رمضان في قريتنا كانت لها نكهة خاصّة.
بل , قل أنّ رمضان كان ذا مذاق بديع.
سبحان الله أين ذهب كل ذاك البشر الذي كان يملاْ جنبات القرية.
حينما تتحرك لطارئ أثناء صلاة التراويح ,كنت تجد الصلوات تقام في كل حى و صفوف كثيرة من الرجال و كانت النساء يصطففنّ في الصف الاخير بلا حواجز و لا حرج.
لكل حىّ امام و لكل طريقته في ترغيب الناس لحضور صلاة التراويح.
  الشيخ عبد المجيد عبد الرحمن كان هو الامام , ليس في الصلاة لكن في كل شئ.
كان يتمتع , عليه الرحمة بسحر البيان و جاذبية نادرة في الرواية .
  مجلس الفطور(الافطار , كما كنّا نسميه) , كان من الصعب أن تغادره قبل صلاة التراويح.
منذ الفطور ومؤشر الراديو يتحرك بحثأً عن المسلسلات.
مسلسلات فؤاد المهندس و شويكار كانت  الطلب الاول و من ثم تأتي بقية المسلسلات.
 كلنا كنا نتابع  مسلسل الراديو كباراً و صغاراً , الكبار كانوا يتابعون جزءً من المسلسل وسرعان ما ينفردون باحاديث جانبية.
 أمّا نحن كنّا نغرق في خيالاتنا كأننا نشاهد التلفزيون و قد نكون في ذاك الزمان البعيد ربما لم نسمع عن شئ اسمه التلفزيون.
حتى الاواني التى كانت تحمل (مويات) رمضان كانت جميلة و بسيطة و هى تتزين بهلال و نجوم صغيرة من حواليه.
و رغم أنّ الزير كان بدون غيره المورد الرئيسي لما يشربه الناس الاّ أنّ ماءه كان زلالاً ترتوي به 100 % لدرجة القناعة , حيث لم يكن  الناس قد عرفت الثلاجات و لا ماءها.
كان الشهر الفضيل يحرك في الناس سيلاً من الحب و التعاضد , ففى هذا الشهر يتساوى الجميع في الحرمان من الاكل و الشراب نهاراً و يتساوون في اداء الصلاة و في تسارعهم لاداء التراويح.
 لا أعرف السبب , الاّ أنّ كل الائمة كانوا يحرصون في اختيار السورالقصيرة في التراويح  , او قراءة اية او  ايتين فقط.
ربما خوفاً من انفلات (المصليين الموسميين) عن الصلاة و عودتهم لتركها.
  شيخ عبد المجيد عبد الرحمن كان يقرأ بعد الفاتحة
(طه *  ما أنزلنا عليك القران لتشقى * ثم يكبر و يركع)
وكنت أنتظر بشوق لمعرفة باقى الايات و يبدأ الركعة الثانية 
(الا تذكرة لمن يخشى * تنزيلاً ممن خلق الارض و السموات العلى*) و يكبر. و هكذا ببساطة و للترغيب.
ثم يعفب الصلاة ، درس بسيط و مواعظ لا تأخذ الاّ دقائق معدودة , فينطلق الملاْ بعدها   زرافات , كل نحو مبتغاه.
النادي كان يعمر بالرجال , كل مجموعة منهم بجانب , و منهم من يفضلون أن يكونوا مستلقين على ظهورهم فوق الارض يتجاذبون اطراف الاحاديث و اذا داعب النعاس أعينهم تجدهم قد انسحبوا (تكتيكياً) , فيبقى من يعمرون لعب الورق الى تباشير الساعة الاولى فيخرجون في موكب واحد و يذهب كل فرد الى بيته ليقوم بمهمة ايقاظ النائمين و تناول السحور. 
     و عن ما قبل تلك الفترة , حدثتنى احدى قريباتى في ( أٌوبا) عليها الرحمة بأنهم دأبوا على النوم مبكراً ثم يصحون على صوت ديك يسبق الاذان بفترة مناسبة.
  و تحكى , انهم صحوا ذات ليلة و اعدوا عشاءهم و هم ينتظرون الديك ايذاناً لبدأ تناول الطعام , الاّ انّ الديك امتنع عن واجب الترنيم اليومى. 
و ساورهم القلق و رفض الكثيرون تناول العشاء الا بعد أن يسمعوا صوت الديك و اختلف الناس حيث خرجوا الى الخارج يسأون ما أصاب الديك (الميقات الوفى) و عن سبب اعراضه عن اداء الواجب اليومى.
 أخيراً سألهم رجل حكيم أتعرفون صاحب الديك ؟
فأجمعوا على عدم معرفتهم به , فقال لهم:
هب أنّ صاحبه رغب في لحمه  و تناوله عشاءً او سحوراً , هل ستنتظرون بعثه؟؟؟
فوجد الجميع في راية راحة من الجوع الذي تحرّك فيهم نتيجة الطهى و اعادة التسخين فأقبلوا على طعامهم غير عابئين بالديك و زوال سلطانه.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)