كهرباء منقطعة النظير حساس محمد حساس


 

(لو كانت بيني وبين الناس كهرباء لما إنقطعت.. كانوا إذا برمجوها مددتها وإذا قطعوها أوصلتها)
معاوية بن أبي سلكان

أرى القوم يشتكون ويبكون لإنقطاع كهرباء لا تدوم طويلاً. وأيم الله إنها لتنقطع وتنقطع حتى ولو كانت في بروج مشيدة وتوربينات مقيدة. فلا خير في كهرباء لا تنقطع ولا خير في كهرباء غير مقطوعة ولا ممنوعة. لقد مرت البشرية بحضارة العصر الحجري ولم تكن هناك كهرباء فما الذي جري للإنسان الحجري وحجارته وحضارته. لقد استعاض الإنسان عنها بإكتشافه للنار من مستصغر الشرر. وماذا عن حضارة بابل وأشور ومروي والفراعنة؟ بل ماذا عن أهل الكهف؟ هل أضاءت كهفهم كهرباء من قوة شمعة واحدة؟ ومع ذلك لبثوا في كهفهم ثلاثمائة وإزدادوا تسعة من الأعوام. وما التباكي على كهرباء يجود بها مرفق هو نفسه في حاجة الى كهرباء إلا نوع من الدلع الذي إمتازت به أزماننا الأخيرة.
قال التوربين بن أبي العداد الأمبيري :
نزلنا بواد يقال له وادي الفولتاج وأقمنا مضاربنا وأشعلنا الجمرة الخبيثة فجاءنا قوم من بني كيبل وأفادونا بأحوالهم وشكوا لنا حالهم منذ أن حلت بديارهم الكهرباء فقد قل نسلهم وتفرق شملهم. وما ذلك إلا لأن الكهرباء أضاءت ليلهم ولم تجعله لباسا وأظهرت لهم قبح منظر أمهات عيالهم فنفروا منهن وأزوروا عنهن وجلسوا منهن على مزجر الكلب. ونضب الزرع وتضاءل الحرث وقال قائلهم:
ويحي بها جلة كرجاء جعبول وويلي على غبرائها طول
بانت نواجذها والليل كلكول ماكنت أعرفها لولا الكراؤول
(حاشية:
جاء في متن الجمرة الخبيثة أن الكراؤول هي المصابيح الكهربائية).
فلماذا يشتكي الناس من إنقطاع الكهرباء ولا يشتكون من إنقطاع النسل؟ وما زلنا نواسيهم ونشد من أزرهم حتي أتاهم الفرج من رب العباد فأزيلت العماد لعدم السداد وإنقطع دابر الكهرباء عن واديهم ولم يعودوا يتبينون ذويهم فعمرت الديار بآلاف الصغار وحمدوا الواحد القهار.
وقد علمنا فيما علمنا أن الإنقطاع المتقطع سيكون دائماً حيث لا زيت ولا مازوت ولا فيرنس لأن الطرق والكباري لم تعد تتحمل عاديات اللواري فنحن إذن مستبشرون بإنقطاع دائم وليل دامس ملائم يلزم كل إمرءٍ سريره ومضجعه ويعود كل غائب الي عشه ومخدعه. فاللهم أدمها نعمة بلا كهرباء وأزل عنا الكرب والبلاء وأبعد عنا شر الفواتير والهمنا الصبر والتدبير.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النخله الحمقاء , ايليا ابوماضي

صخرة النبي موسى عليه السلام

سر الرقم 73 ( قصة حقيقة)